وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون (الشعراء: 227).
حض جندك واشكم نفسك في مجاهدة أعداء الله، وارج نصره وتنجز موعده، متقدما في طلب ثوابه على جهادهم، معتزما في ابتغاء الوسيلة إليه على لقائهم؛ فإن طاعتك إياه فيهم ومراقبتك له، ورجاءك لنصره مسهل لك وعوده، وعاصمك من كل سيئة، ومنجيك من كل هوة، وناعشك من كل صرعة، ومقيلك من كل كبوة، ودارئ عنك كل شبهة، ومذهب عنك لطخة كل شك، ومقويك بكل أيد ومكيدة، ومؤيدك في كل مجمع لقاء، وحافظك من كل شبهة مردية، والله وليك وولي أمير المؤمنين فيك.
اعلم أن الظفر ظفران: أحدهما أعم منفعة، وأبلغ في حسن الذكر قالة، وأحوط سلامة، وأتمه، عافية، وأعوده عاقبة، وأحسن في الأمور موردا، وأصحه في الرواية حزما، وأسهله عند العامة مصدرا، ما نيل بسلامة الجنود، وحسن الحيلة ولطف المكيدة ويمن النقيبة، بغير إخطار الجيوش في وقدة جمرة الحرب، ومنازلة الفرسان في معترك الموت، وإن ساعدك الحظ ونالك مزية السعادة في الشرف، ففي مخاطرة التلف، ومكروه المصائب، وعضاض السيوف، وألم الجراح، وقصاص الحروب، وسجالها بمعاورة أبطالها، على أنك لا تدري لأي الفريقين الظفر في البديهة من المغلوب في الدولة، ولعلك أن تكون المطلوب بالتمحيص، فحاول أبلغهما في سلامة جندك ورعيتك وأشهرهما «...» في بادئ رأيك، وأجمعهما لألفة وليك وعدوك، وأعونهما على صلاح رعيتك وأهل ملتك، وأقواهما في حربك وأبعدهما من وصم عزمك وأجزلهما ثوابا عندك، وابدأ بالإعذار والدعاء لهم إلى مراجعة الطاعة وأمر الجماعة وعرى الألفة، آخذا بالحجة عليهم، متقدما بالإنذار لهم، باسطا أمانك لمن لجأ إليه منهم، داعيا لهم إليه بألين لطفك، وألطف حيلتك متعطفا عليهم برأفتك، مترفقا بهم في دعائك، مشفقا عليهم من غلبة الغواية لهم، وإحاطة الهلكة بهم، منفذا رسلك إليهم بعد الإنذار تعدهم كل رغبة يهش إليها طمعهم في موافقة الحق، وبسط كل أمان سألوه لأنفسهم ومن معهم من تبعهم، موطنا نفسك فيما تبسط لهم من ذلك على الوفاء بوعدك، والصبر على ما أعطيتهم من وثائق عهدك قابلا توبة نازعهم عن الضلالة، ومراجعة مسيئهم إلى الطاعة، مرصدا للمنحاز إلى فئة المسلمين وجماعتهم، إجابة إلى ما دعوتهم إليه وبصرت من حقك وطاعتك بفضل المنزلة، وإكرام المثوى وتشريف الحال؛ ليظهر من أثرك عليه، وإحسانك إليه ما يرغب في مثله الصارف عنك المصر على خلافك ومعصيتك، ويدعو إلى الاعتلاق بحبل النجاة، وما هو أملك به في الاعتصام به عاجلا، وأنجى له من العقاب آجلا وأحوط على دينه ومهجته بدءا وعاقبة؛ فإن ذلك مما يستدعي نصر الله - عز وجل - به عليهم، وتعتصم به في تقدمة الحجة إليهم معذرا ومنذرا، إن شاء الله.
ثم أذك عيونك على عدوك متطلعا لعلم أحوالهم التي ينتقلون فيها، ومنازلهم التي هم بها، ومطامعهم التي مدوا بها أعناقهم نحوها، وأي الأمور أدعى لهم إلى الصلح وأقودها لرضاهم إلى العافية، ومن أي الوجوه ما أتاهم من قبل الشدة والمنافرة والمكيدة والمباعدة والإرهاب والإبعاد والترغيب والإطماع مستنا في أمرك متخيرا في رويتك، متمكنا من رأيك مستشيرا لذوي النصيحة الذين قد حنكتهم التجربة ونجذتهم الحروب، متسربا في حربك، آخذا بالحزم في سوء الظن معدا للحذر محترسا من الغرة، كأنك منزل كله ومنازلك جمع مواقف لعدوك رأي عين تنظر حملاتهم، وتخوف غاراتهم، معدا أقوى مكيدتك، وأجد تشميرك، وأرهب عتادك، معظما لأمر عدوك لأكثرهما ... بفرط تبعة له من الاحتراس عظيما من المكيدة، قويا من غير أن يفثأك عن إحكام أمورك، وتدبير رأيك، وإصدار رؤيتك، والتأهب لحربك مصغ له بعد استشعار الحذر واطمئنان الحزم وإعمال الروية وإعداد الأهبة؛ فإن لقيت عدوك كليل الحد ونم النجوم نضيض الوفر لم يضررك ما أعددت له من قوة، وأخذت به من حزم، ولم يزدك ذلك إلا جرأة عليه، وتسرعا إلى لقائه، وإن ألفيته متوقد الجمر، مستكثف التبع، قوي الجمع، مستعلي سورة الجهل، معه من أعوان الفتنة، وتبع إبليس من يوقد لهب الفتنة مسعرا، ويتقدم إلى لقاء أبطالها متسرعا كنت لأخذك بالحزم، واستعدادك بالقوة غير مهين الجند، ولا مفرط في الرأي، ولا متلهف على إضاعة تدبير، ولا محتاج إلى الإعداد وعجلة التأهب مبادرة تدهشك، وخوفا يقلقك، ومتى تعزم على ترقيق التوقير، وتأخذ بالهويني في أمر عدوك لتصغر المصغرين؛ ينتشر عليك رأيك ويكن فيه انتقاض أمرك ووهن تدبيرك، وإهمال الحزم في جندك، وتضييع له وهو ممكن الإصحار رحب المطلب قوي العصمة فسيح المضطرب مع ما يدخل رعيتك من الاغترار، والغفلة عن إحكام أسرارهم وضبط مراكزهم، لما يرون من استنامتك إلى الغرة، وركونك إلى الأمن وتهاونك بالتدبير، فيعود ذلك عليك في انتشار الأطراف، وضياع الإحكام ودخول الوهن بما لا يستقال محذوره ولا يدفع مخوفه.
احفظ من عيونك وجواسيسك ما يأتونك به من أخبار عدوك، وإياك ومعاقبة أحد منهم على خبر إن أتاك به اتهمته فيه، أو سؤت ظنا عليه وأتاك غيره بخلافه، وإن تكذبه فيه وترده عليه، ولعله أن يكون من محضك النصيحة، وصدقك الخبر وكذبك الأول، أو خرج جاسوسك الأول متقدما قبل وصول هذا من عند عدوك، ولقد أبرموا أمرا وحاولوا لك مكيدة وازدادوا منك غرة، وإن دفعوا إليك في الأمر، ثم انتقص بهم رأيهم واختلف عنه جماعتهم فأوردوا رأيا وأحدثوا مكيدة، وأظهروا قوة وضربوا موعدا وأموا مسلكا لعدد أتاهم أو قوة حدثت لهم، أو بصيرة في ضلالة شغلتهم، فالأحوال منتقلة بهم في الساعات وطوارق الحادثات، ولكن ألبسهم جميعا على الانتصاح وأرجح لهم المطامع؛ فإنك لم تستعبدهم بمثله، وعدهم جزالة المثاوب في غير ما استنامة منك إلى أمر عدوك، والاغترار بما لم يأتوك به، دون أن تعمل رؤيتك في الأخذ بالحزم والاستكثار من العدة، واجعلهم أوثق من يقدر عليه إن استطعت ذلك، وآمن من تسكن إلى ناحيته ليكون ما يبرم عدوك في كل يوم وليلة عندك إن استطعت، فتنقض عليهم بتدبيرك ورأيك ما لم يرموا، وتأتيهم من حيث أقدموا وتستعد لهم بمثل ما حذروا.
واعلم أن جواسيسك وعيونك ربما صدقوك وربما غشوك، وربما كانوا لك وعليك، فنصحوا لك، وغشوا عدوك، وغشوك ونصحوا عدوك، وكثير مما يصدقونك ويصدقونه فلا يبدرن منك فرطة في عقوبة إلى أحد منهم، ولا تعجل بسوء الظن إلى من اتهمته على ذلك، وابسط من آمالهم فيك من غير أن تري أحدا منهم، أنك أخذت من قوله أخذ العامل به والمتبع له، أو عملت على رأيه عمل الصادر عنه، أو رددته عليه رد المكذب له والمتهم المستخف بما أتاك منه، فتفسد بذلك نصيحته، وتستدعي غشه، وتجتر عداوته.
احذر أن يعرف جواسيسك في عسكرك أو يشار إليهم بالأصابع، وليكن منزلهم على كاتب رسائلك وأمين سرك، ويكون هو الموجه لهم والمدخل عليك من أردت مشافهته منهم، واعلم أن لعدوك في عسكرك عيونا راصدة وجواسيس كامنة، وأن رأيه في مكيدتك مثل ما تكايده به، وسيحتال لك كاحتيالك له، ويعد لك كاعتدادك له، فاحذر أن يشعر رجل من جواسيسك في عسكرك، فيبلغ ذلك عدوك ويعرف موضعه، فيعد له المراصد ويحتال له بالمكايد؛ فإن ظفر به وأظهر عقوبته كسر ذلك ثقات عيونك، وحوله عن تطلب الأخبار من معادنها واستقصائها من عيونها، حتى يصيروا إلى أخذها عن عرض من غير الثقة، ولا معاينة لغطائها بالأخبار الكاذبة، والأحاديث المرجفة.
واحذر أن يعرف بعض عيونك بعضا؛ فإنك لا تأمن تواطؤهم عليك، وممالأتهم عدوك واجتماعهم على غشك وكذبك، وأن يورط بعضهم بعضا عند عدوك، وأحكم أمرهم؛ فإنهم رأس مكيدتك وقوام تدبيرك وعليهم مدار حربك، وهو أول ظفرك، فاعمل على حسب ذلك وجنب رجاءك به نيل أملك من عدوك وقوتك على قتالهم، وانتهاز فرصته إن شاء الله، فإذا أحكمت ذلك وتقدمت فيه، واستظهرت بالله وعونه، فول شرطتك وأمر عسكرك أوثق قوادك عندك، وآمنهم نصيحة وأقدمهم بصيرة في طاعتك، وأقواهم شكيمة في أمرك، وأمضاهم صريمة وأصدقهم عفافا وأجرأهم جنانا، وأكفاهم أمانة وأصحهم ضميرا وأرضاهم صبرا، وأحمدهم خلقا وأعطفهم على جماعتهم رأفة، وأحسنهم لهم نظرا وأشدهم في دين الله وحقه صلابة.
ثم فوض إليه مقويا له، وابسط من أمله مظهرا عنه الرضا حامدا منه الابتلاء، وليكن عالما بمراكز الجنود بصيرا بتقديم المنازل، مجربا ذا رأي وتجربة وخزم في المكيدة، له نباهة في الذكر وصيت في الولاية، معروف البيت مشهور الحسب.
وتقدم إليه في ضبط معسكرك وإذكاء أحراسه في آناء ليله ونهاره، ثم حذره أن يكون له إذن لجنوده في الانتشار والاضطراب والتقدم للطائفة، فيصاب منهم غرة يجترئ بها عدوك ويسرع إقداما عليك ويكسر من أفئدة جنودك ويوهن من قوتهم؛ فإن إصابة عدوك الرجل الواحد من جندك وعبيدك مطمع لهم منك مقو لهم على شحذ أتباعهم عليك وتصغيرهم أمرك وتوهينهم تدبيرك، فحذره ذلك وتقدم إليه فيه.
Bog aan la aqoon