218

Rasaa'il Bulagha

رسائل البلغاء

Noocyada

وكفى بنا حاسبين (الأنبياء: 47)، فالله هو أعظم شهيد، فجعل المتنبي نفسه أعظم الداء ولم يرد إلا استعظام دائه وإصلاح هذا الفساد، وبلوغه إلى المراد أن يقول:

كفى بالمنايا أن تكن أمانيا

وحسبك داء أن ترى الموت شافيا

فيعود الداء المستعظم كما أراد، وتزول خشونة ابتدائه، وشدة جفائه، إذا خاطب الممدوح بالكاف فجعله داء عظيما في أول كلمة سمعها منه، وقد تأدب خواص الناس وكثير من عوامهم في مثال هذا المكان؛ فهم يقولون عند مخاطبات بعضهم بعضا بما يخشن ذكره قلت للأبعد ويا كذا الأبعد.

ومن عيوب هذا القسم أيضا أن قائله قصد إلى سلطان جديد، وإلى مكان يحتاج فيه إلى التعظيم والتفخيم، وقد صدر عن ملك نوه به، أعني: سيف الدولة، وأغناه بعد فقره، وشرفه ورفعه، وأدنى موضعه، فورد على كافور هذا في مرتبة شريفة، وخطة منيفة، فجعل بجهله يصفه في أول بيت لقيه به أنه في حالة لا يرى منها المنية، أو يرى المنية أعظم أمنية، وعلى كافور بذكائه ووصول أخبار الناس إليه أنه في حالة خلاف ما قال وأنه كفر النعمة من المنعم عليه، وأراه أن جميع ما عامله به من الجاه الواسع، والغنى القاطع حقير لديه، صغير في عينيه، فعلم كافور في هذا الوقت أنه ممن لا تزكو لديه الصنيعة وإن عظمت، ولا تكبر في عينيه المواهب وإن جسمت، ولم يكن في خلق كافور من الصبر على اتساع البذل، ولا من الرغبة في أهل الآداب والفضل ما عند سيف الدولة من ذلك فزهد فيه بعد رغبة وعلله بالقليل، وشاوقه بالجزيل، ورأى المتنبي أن الأسود ليس له في قلبه من الحب والقرب ما له عند سيف الدولة، فلم يدل عليه ولا كثر من التعتب والعتاب ما يعطفه عليه فأضاع وضاع. وكان يتوقع الإيقاع ، ولكفران النعم نقم، ثم نجاه ركوب ظهر الهرب، وأقبل يعترف لسيف الدولة بالذنوب. وكان لحنه وشعره شريفين، وعقله ودينه ضعيفين، ومع ذلك فسقطاته كثيرة إلا أن محاسنه أكثر وأوفر، والمرء يعجز لا محالة، وكان يميل إلى تعقيد الكلام، ويعتمد على علمه بقبحه فيقول من ذلك ما يصف به ناقته:

فتبيت تسئد مسئدا في نيها

إسآدها في المهمه الإنضاء

ويقول في المدح:

أنى يكون أبا البرية آدم

وأبوك والثقلان أنت محمد

Bog aan la aqoon