208

Rasaa'il Bulagha

رسائل البلغاء

Noocyada

ومن لا يذد عن حوضه بسلاحه

يهدم ومن لا يظلم الناس يظلم

وقد تجاوز هذا الحق الباطل، وبنى قولا ينقضه جريان العادة وشهادة المشاهدة، وذلك أن الظلم وعرة مراكبه ، مذمومة عواقبه في جاهليته وإسلامنا، فحرض في شعره عليه، وإن كان إنما أشار في شعره إلى أن الظالم يرهب فلا يظلم، فهذا قياس ينفسد وأصل ليس يطرد، لكن يرهبه من هو أضعف منه، وربما انتقم منه بالحيلة والمكيدة، وقد يظلم الظالم من يغلبه، فيكون ذلك سبب هلاكه مع قباحة السمة بالظلم، والمثل إنما يضرب بما لا ينخرم، وقد كانت له مندوحة واتساع في أن يقول «يهدم» «ومن لا يظلم الناس يظلم.» فهذا أصح وأسلم لمن لا يظلم ويظلم.

قال أبو الريان: وقال زهير أيضا وهو من أطيب شعره وأملحه عند العامة وكثير من الخاصة، فههنا تحفظ وتأمل، ولا يهلك ذلك منهم، الحق أبلج قال:

تراه إذا ما جئته متهللا

كأنك تعطيه الذي أنت سائله

مدح بها شريفا أي شريف! فجعل سروره بقاصده كسروره بمن يدفع شيئا من عرض الدنيا إليه. وليس من صفات النفوس العارفة السامية والهمم الشريفة العالية إظهار السرور إلى أن تهلل وجوههم وتسر نفوسهم بهبة الواهب ولا شدة الابتهاج بعطية المعطي، بل ذلك عندهم سقوط همة وصغر نفس، وكثير من ذوي النفوس النفيسة والأخلاق الرئيسة لا يظهر السرور متى رزق مالا عفوا بلا منة منيل، ولا يد معط مستطيل لأنه عند نفسه أكبر منه؛ ولأن قدر المال يقصر عنه، فكيف يمدح ملك كبير كثير القدر عظيم الفخر بأنه يتهلل وجهه ويمتلئ سرورا قلبه إذا أعطى سائله مالا؟! هذا نقض البناء ومحض الهجاء، والفضلاء يفخرون بضد هذا؛ قال بعضهم:

ولست بمفراح إذا الدهر سرني

ولا جزع من صرفه المتقلب

وإنما غر زهيرا وغر المستحسن بيته هذا ما جبلوا عليه من حب العطاء، وما جرت به عاداتهم من الرغبة في الهبات والاستجداء، وليس كل الهمم تستحسن ذلك، ولا كل الطباع تسلك هذه المسالك.

Bog aan la aqoon