وأما أبو نواس:
فأول الناس في خرم القياس وذلك أنه ترك السيرة الأولى، ونكب عن الطريقة المثلى، وجعل الجد هزلا والصعب سهلا، فهلهل المسرد، وبلبل المنضد، وخلخل المنجد، وترك الدعائم، وبنى على الطامي والعائم، وصادف الأفهام قد نكلت، وأسباب العربية قد تخلخلت وانحلت، والفصاحات الصحيحة قد سئمت وملت، فمال الناس إلى ما عرفوه، وعلقت نفوسهم بما ألفوه، فتهادوا شعره، وأغلوا سعره، وشغفوا بأسخفه، وكلفوا بأضعفه، وكان ساعده أقوى وسراجه أضوأ، لكنه عرض الأنفق وأهدى الأوفق، وخالف فشهر، وعرف وأغرب، فذكر واستظرف، والعوام تختار هذه الأعلاق، وأسواقهم أوسع الأسواق، فشعر أبي نواس نافق عند هذه الأجناس، كاسد عند أنقد الناس، وقد فطن إلى استضعافه وخاف من استخفافه، فاستدرك بفصيح طرده طرفا حد اللسان وحدوده وهو محدود في كثرة التظاهر على من غض منه بالحق الظاهر، ليس إلا لخفة روح المجون، وسهولة الكلام الضعيف الملحون على جمهور العوام، لا على خواص الأنام.
وأما صريع:
فكلامه مرصع، ونظامه مصنع، وجملة شعره صحيحة الأصول، مصنعة الفصول، قليلة الفضول.
وأما العباس بن الأحنف:
فمعتزل بهواه وبمعزل عما سواه، دفع نفسه عن المدح والهجاء، ووضعها بين يدي هواه من النساء قد رقق الشغف كلامه، وثقفت قوة الطبع نظامه، فله رقة العشاق وجودة الحذاق.
وأما دعبل:
فمديد مقبل، اليوم مدح وغدا قدح، يجيد في الطريقتين ويسيء في الخليقتين، وله أشعار في العصبية. وكان شاعر علماء، وعالم شعراء.
وأما علي بن الجهم:
فرشيق الفهم، راشق السهم، استوصل شعره الشرفاء، ونادم الخلفاء، وله في الغزل «الرصافية» وفي العتاب «الدالية»، ولو لم يكن له سواهما لكان أشعر الناس بهما.
Bog aan la aqoon