97

Rasaail Ikhwaan al-Safaa iyo Xulafada Wafa

رسائل اخوان الصفاء و خلان الوفاء

Noocyada

كل ذلك معاونة لها وتأييد إلى البلوغ إلى الغاية والوصول إليها، وأما التي تنسب إلى النفس الملكية القدسية فهي شهوة القرب إلى ربها والزلفى لديه، وقبول الفيض منه وإفاضة الجود على من دونها من أبناء جنسها، كما ذكر الله تعالى بقوله: @QUR06 يبتغون إلى ربهم الوسيلة أيهم أقرب، وقوله سبحانه: @QUR04 ويستغفرون لمن في الأرض، وقوله: @QUR03 فاغفر للذين تابوا، وقال: @QUR02 كراما كاتبين الآية، فهذا تفصيل جملة ما ينسب إلى كل جنس من النفوس، والمخصوص بها من الشهوات المركوزة فيها، فأما التي تعمها كلها فشهوة البقاء على أتم الحالات وأكمل الغايات وكراهية الفناء والنقص عن الحال الأفضل والأكمل.

فصل

واعلم يا أخي، أيدك الله وإيانا بروح منه، بأنك إن أنعمت النظر فيما وصفنا وتأملت ما ذكرنا، وجودت البحث عن مبادئ الكائنات وعلة الموجودات؛ علمت وتيقنت أن هاتين الحالتين؛ أعني: شهوة البقاء وكراهية الفناء أصل وقانون لجميع شهوات النفوس المركوزة في جبلتها، وأن تلك الشهوات المركوزة في جبلتها أصول وقوانين لجميع أخلاقها وسجاياها، وتلك الأخلاق أصول وقوانين لجميع أفعالها وصنائعها ومعارفها ومتصرفاتها - كما سنبين في هذه الفصول.

وإنما صارت هاتان الحالتان مركوزتين في جبلة كل الموجودات وجميع الكائنات من أجل أن الباري - جل ثناؤه - لما كان هو علة الموجودات وسبب الكائنات ومبدعها ومخترعها وموجدها ومبقيها ومتممها ومكملها ومبلغها إلى أقصى مدى غاياتها وأفضل حالاتها، وكان - جل ثناؤه - دائم البقاء لا يعرض له شيء من الفناء؛ صار من أجل هذا في جبلة الموجودات محبة البقاء وشهوته وكراهية الفناء وبغضه؛ لأن في جبلة المعلول يوجد بعض صفات العلة دلالة دائمة عليها، وإنما لا يعرض للباري - جل ثناؤه - شيء من النقص والفناء من أجل أنه علة الوجود لذاته وبقاؤه من نفسه، وأما سائر الموجودات وجميع الكائنات فلوجودها أسباب وعلل، ومتى عدم منها شيء أو نقص عرض لها الفناء والنقص والقصور عن البلوغ إلى الحال الأفضل والوجود الأكمل، والمثال في ذلك النبات والحيوان؛ فإنه متى عدم الغذاء الذي هو هيولى الأجساد، ومادة بقائها هلك وانفسد وتغير واضمحل.

وهكذا حكم نفوسها متى بطلت هياكلها بطل شعورها وإحساسها ولم يمكنها إظهار أفعالها وتأثيراتها، فتكون بتلك الحال النفوس موجودة ولكن على حال النقص، كما أن تراب أجسادها يكون موجودا لكن على حال النقص، وقد يعلم بأوائل العقول بأن الوجود على الحال الأفضل ألذ وأشرف وأفضل من الوجود على النقص. وقد قالت الحكماء والفلاسفة بأن كل شيء يراد فهو من أجل الخير، والخير يراد من أجل ذاته، والخير المحض السعادة، والسعادة تراد لنفسها لا لشيء آخر.

وقد قلنا وبينا في رسالة الإيمان بأن السعادة نوعان دنيوية وأخروية، فالسعادة الدنيوية هي أن يبقى كل موجود أطول ما يمكن على أفضل حالاته وأتم غاياته ، والسعادة الأخروية أن تبقى كل نفس إلى أبد الآبدين على أفضل حالاتها وأتم غاياتها.

واعلم يا أخي بأن النفوس الجزئية إنما ربطت بأجسادها التي هي أجسام جزئية كي ما تكمل فضائلها وتخرج كل ما في القوة والإمكان إلى الفعل والظهور من الفضائل والخيرات، ولم يمكن ذلك إلا بارتباطها بهذه الأجساد وتدبيراتها لها، كما أن الباري - جل ثناؤه - لم يكن إظهار جوده وفيض إحسانه وأفضاله وإنعامه إلا بإيجاد هذا الهيكل العظيم المبني بالحكمة، المصنوع بالقدرة، أعني: الفلك المحيط وما يحويه من سائر الأفلاك والكواكب والأركان والمولدات الكائنات وتدبيره لها وسياسته إياها.

وإذ قد تبين بما ذكرنا: ما الغرض وما الفائدة من الشهوات المركوزة في الجبلة، وما يتبعها من الأخلاق والخصال، وهي أن تدعو تلك الشهوات النفوس إلى طلب المنفعة لأجسادها ودفع المكروه والمضرة عنها وتعينها تلك الأخلاق والخصال عليها؛ فنريد أن نبين الآن ما الخير منها، وما الشر وما المذموم منها، وما المحمود، ومتى يكون الإنسان مثابا بها أو معاقبا؟

(9) فصل في ترتب الأخلاق على بعضها وكونها فضيلة أو رذيلة

واعلم يا أخي، أيدك الله وإيانا بروح منه، بأن الإنسان لما كان جسده مركبا من الأخلاط الأربعة، وكان مزاجه من الطبائع الأربع جعل الباري - جل ثناؤه - بواجب الحكمة أكثر أموره وتصاريف أحواله مربعات مشاكلات مطابقات بعضها لبعض؛ ليكون أعون له على ما يراد منه وأدل، من ذلك أنك تجد أخلاقه وأفعاله بعضها طبيعية مركوزة في الجبلة، كما ذكرنا طرفا من ذلك، وبعضها نفسانية اختيارية، وبعضها عقلية فكرية، وبعضها ناموسية سياسية.

Bog aan la aqoon