93

Rasaail Ikhwaan al-Safaa iyo Xulafada Wafa

رسائل اخوان الصفاء و خلان الوفاء

Noocyada

واعلم بأن كل الناس أشخاص لهذا الإنسان المطلق، وهو الذي أشرنا إليه أنه خليفة الله في أرضه منذ يوم خلق آدم أبو البشر إلى يوم القيامة الكبرى، وهي النفس الكلية الإنسانية الموجودة في كل أشخاص الناس، كما ذكر - جل ثناؤه - بقوله: @QUR07 ما خلقكم ولا بعثكم إلا كنفس واحدة كما بينا في رسالة البعث.

واعلم يا أخي، أيدك الله بروح منه، بأن هذا الإنسان المطلق الذي قلنا هو خليفة الله في أرضه، وهو مطبوع على قبول جميع الأخلاق البشرية وجميع العلوم الإنسانية والصنائع الحكمية هو موجود في كل وقت وزمان، ومع كل شخص من أشخاص البشر تظهر منه أفعاله وعلومه وأخلاقه وصنائعه، ولكن من الأشخاص من هو أشد تهيؤا لقبول علم من العلوم أو صناعة من الصنائع أو خلق من الأخلاق، أو عمل من الأعمال ، والإظهار بحسب ذلك يكون.

مطلب في التربية

واعلم بأن العادات الجارية بالمداومة فيها تقوي الأخلاق المشاكلة لها، كما أن النظر في العلوم والمداومة على البحث عنها والدرس لها والمذاكرة فيها يقوي الحذق بها والرسوخ فيها، وهكذا المداومة على استعمال الصنائع والدءوب فيها يقوي الحذق والأستاذية فيها، وهكذا جميع الأخلاق والسجايا.

والمثال في ذلك أن كثيرا من الصبيان إذا نشئوا مع الشجعان والفرسان وأصحاب السلاح وتربوا معهم تطبعوا بأخلاقهم وصاروا مثلهم، وهكذا أيضا كثير من الصبيان إذا نشئوا مع النساء والمخانيث والمعيبين وتربوا معهم تطبعوا بأخلاقهم وصاروا مثلهم، إن لم يكن في كل الخلق ففي بعض.

وعلى هذا القياس يجري حكم سائر الأخلاق والسجايا التي يتطبع عليها الصبيان منذ الصغر، إما بأخلاق الآباء والأمهات أو الإخوة والأخوات والأتراب والأصدقاء والمعلمين والأستاذين المخالطين لهم في تصاريف أحوالهم، وعلى هذا القياس حكم الآراء والمذاهب والديانات جميعا.

فصل

واعلم يا أخي بأن من الناس من يكون اعتقاده تابعا لأخلاقه، ومنهم من تكون أخلاقه تابعة لاعتقاده؛ وذلك أن من يكون مطبوعا على طبيعة مريخية فإنه تميل نفسه إلى الآراء والمذاهب التي يكون فيها التعصب والجدال والخصومات أكثر، وهكذا أيضا من يكون مطبوعا على طبيعة مشترية، فإنه تكون نفسه مائلة إلى الآراء والمذاهب التي يكون فيها الزهد والورع واللين أكثر، وعلى هذا القياس توجد آراء الناس ومذاهبهم تابعة لأخلاقهم.

وأما الذي تكون أخلاقه تابعة لاعتقاده فهو الذي إذا اعتقد رأيا أو مذهبا وتصوره وتحقق به صارت أخلاقه وسجاياه مشاكلة لمذهبه واعتقاده؛ لأنه يصرف أكثر همه وعنايته إلى نصرة مذهبه وتحقيق اعتقاده في جميع متصرفاته، فيصير ذلك خلقا له وسجية وعادة يصعب إقلاعه عنها وتركه لها.

وعلى هذا الجنس من الأخلاق تقع المجازاة من المدح والذم والثواب والعقاب والوعد والوعيد والترغيب والترهيب؛ لأنه اكتساب من صاحبه وفعل له، والمثال في ذلك ما جاء في الخبر أن رجلين اصطحبا في بعض الأسفار، أحدهما مجوسي من أهل كرمان، والآخر يهودي من أهل أصفهان، وكان المجوسي راكبا على بغلة عليها كل ما يحتاج إليه المسافر في سفره من الزاد والنفقة والأثاث، فهو يسير مرفها، واليهودي كان ماشيا ليس معه زاد ولا نفقة، فبينما هما يتحدثان؛ إذ قال المجوسي لليهودي: ما مذهبك واعتقادك يا خوشاك؟ قال اليهودي: اعتقادي أن في هذه السماء إلها هو إله بني إسرائيل وأنا أعبده وأسأله وأطلب إليه، ومنه سعة الرزق وطول العمر وصحة البدن والسلامة من الآفات والنصرة على الأعداء؛ أريد منه الخير لنفسي ولمن يوافقني في ديني ومذهبي، ولا أفكر فيمن يخالفني في ديني ومذهبي، بل أرى وأعتقد أن من يخالفني في ديني ومذهبي فحلال لي دمه وماله، وحرام علي نصرته أو نصيحته أو معاونته أو الرحمة أو الشفقة عليه.

Bog aan la aqoon