Rasaail Ikhwaan al-Safaa iyo Xulafada Wafa
رسائل اخوان الصفاء و خلان الوفاء
Noocyada
@QUR07 الحمد لله وسلام على عباده الذين اصطفى
اعلم أيها الأخ البار الرحيم بأنه لما كان من مذهب إخواننا الكرام - أيدهم الله - النظر في جميع علوم الموجودات التي في العالم من الجواهر والأعراض والبسائط والمجردات والمفردات والمركبات، والبحث عن مبادئها وعن كمية أجناسها وأنواعها وخواصها، وعن ترتيبها ونظامها على ما هي عليه الآن، وعن كيفية حدوثها ونشوئها عن علة واحدة ومبدأ واحد من مبدع واحد جل جلاله، ويستشهدون على بيانها بمثالات عددية وبراهين هندسية مثل ما كان يفعله الحكماء الفيثاغوريون؛ احتجنا أن نقدم هذه الرسالة قبل رسائلنا كلها، ونذكر فيها طرفا من علم العدد وخواصه التي تسمى «الأرثماطيقي» شبه المدخل والمقدمات؛ لكيما يسهل الطريق على المتعلمين إلى طلب الحكمة التي تسمى الفلسفة، ويقرب تناولها للمبتدئين بالنظر في العلوم الرياضية، فنقول:
الفلسفة أولها محبة العلوم، وأوسطها معرفة حقائق الموجودات بحسب الطاقة الإنسانية، وآخرها القول والعمل بما يوافق العلم. والعلوم الفلسفية أربعة أنواع: أولها الرياضيات، والثاني المنطقيات، والثالث العلوم الطبيعيات، والرابع العلوم الإلهيات، فالرياضيات أربعة أنواع: أولها الأرثماطيقي، والثاني الجومطريا، والثالث الأسطرنوميا، والرابع الموسيقى، فالموسيقى هو معرفة تأليف الأصوات وبه استخراج أصول الألحان، والأسطرنوميا هو علم النجوم بالبراهين التي ذكرت في كتاب المجسطي، والجومطريا هو علم الهندسة بالبراهين التي ذكرت في كتاب إقليدس، والأرثماطيقي هو معرفة خواص العدد وما يطابقها من معاني الموجودات التي ذكرها فيثاغورس ونيقوماخس، فأول ما يبتدأ بالنظر به في هذه العلوم الفلسفية الرياضيات، وأول الرياضيات معرفة خواص العدد؛ لأنه أقرب العلوم تناولا، ثم الهندسة ثم التأليف ثم التنجيم ثم المنطقيات ثم الطبيعيات ثم الإلهيات، وهذا أول ما نقول في علم العدد شبه المدخل والمقدمات:
الألفاظ تدل على المعاني والمعاني هي المسميات، والألفاظ هي الأسماء، وأعم الألفاظ والأسماء قولنا: «الشيء»، والشيء إما أن يكون واحدا أو أكثر من واحد، فالواحد يقال على الوجهين إما بالحقيقة وإما بالمجاز، فالواحد بالحقيقة هو الشيء الذي لا جزء له البتة ولا ينقسم، وكل ما لا ينقسم فهو واحد من تلك الجهة التي بها لا ينقسم، وإن شئت قلت الواحد ما ليس فيه غيره بما هو واحد، وأما الواحد بالمجاز فهو كل جملة يقال لها واحد كما يقال عشرة واحدة ومائة واحدة وألف واحد. والواحد واحد بالوحدة، كما أن الأسود أسود بالسواد، والوحدة صفة للواحد كما أن السواد صفة للأسود. وأما الكثرة فهي جملة لآحاد، وأول الكثرة الاثنان ثم الثلاثة ثم الأربعة ثم الخمسة، وما زاد على ذلك بالغا ما بلغ. والكثرة نوعان: إما عدد وإما معدود، والفرق بينهما أن العدد إنما هو كمية صور الأشياء في نفس العاد، وأما المعدودات فهي الأشياء نفسها، وأما الحساب فهو جمع العدد وتفريقه. والعدد نوعان: صحيح وكسور، والواحد الذي قبل الاثنين هو أصل العدد ومبدأه، ومنه ينشأ العدد كله، صحيحه وكسوره، وإليه ينحل راجعا، أما نشوء الصحيح فبالتزايد، وأما الكسور فبالتجزؤ، والمثال في ذلك ما أقول في نشوء الصحيح إنه إذا أضيف إلى الواحد واحد آخر يقال عند ذلك إنهما اثنان، وإذا أضيف إليهما واحد آخر يقال لتلك الجملة ثلاثة، وإذا أضيف إليها واحد آخر يقال لها أربعة، وإذا أضيف إليها واحد يقال لها خمسة، وعلى هذا القياس نشوء العدد الصحيح بالتزايد واحدا واحدا بالغا ما بلغ، وهذه صورتها: «1 2 3 4 5 6 7 8 9».
وأما تحليل العدد إلى الواحد فعلى هذا المثال الذي أقول إنه إذا أخذ من العشرة واحد تبقى تسعة، وإذا ألقي من التسعة واحد تبقى ثمانية، وإذا أسقط من الثمانية واحد تبقى سبعة، وعلى هذا القياس يلقى واحد واحد حتى يبقى واحد، فالواحد لا يمكن أن يلقى منه شيء؛ لأنه لا جزء له البتة، فقد تبين كيف ينشأ العدد الصحيح من الواحد وكيف ينحل إليه، وأما نشوء العدد الكسور من الواحد فعلى هذا المثال الذي أقول إنه إذا رتب العدد الصحيح على نظمه الطبيعي الذي هو واحد اثنان ثلاثة أربعة خمسة ستة سبعة ثمانية تسعة عشرة، ثم أشير إلى الواحد من كل جملة فإنه يتبين كيف يكون نشوءه من الواحد، وذلك أنه إذا أشير إلى الواحد من الاثنين يقال للواحد عند ذلك نصف، وإذا أشير إلى الواحد من جمله الثلاثة فيقال له الثلث، وإذا أشير إليه من جملة الأربعة يقال له الربع، وإذا أشير إليه من جمله الخمسة يقال له الخمس، وكذلك السدس والسبع والثمن والتسع والعشر، وأيضا إذا أشير إلى الواحد من جملة الإحدى عشر فيقال له: جزء من أحد عشر ومن اثني عشر نصف السدس ومن ثلاثة عشر جزءا من ثلاثة عشر ومن أربعة عشر نصف السبع وخمسة عشر ثلث الخمس، وعلى هذا المثال يعتبر سائر الكسور، فقد تبين كيف يكون نشوء العدد من الواحد الصحيح منها والكسور جميعا، وكيف هو أصل لهما جميعا، وهذه صورتها:
واعلم يا أخي بأن العدد الصحيح رتب أربع مراتب: آحاد وعشرات ومئات وألوف، فالآحاد من واحد إلى تسعة، والعشرات من عشرة إلى تسعين، والمئات من مائة إلى تسعمائة والألوف من ألف إلى تسعة آلاف، ويشتملها كلها اثنتا عشرة لفظة بسيطة، وذلك من واحد إلى عشرة عشرة ألفاظ، ولفظة مائة ولفظة ألف فصار الجميع اثنتي عشرة لفظة بسيطة، وأما سائر الألفاظ فمشتقة منها أو مركبة أو مكررة، فالمكررة كالعشرين من العشرة، والثلاثين من الثلاثة، والأربعين من الأربعة، وأمثال ذلك، وأما المركبة كالمائتين وثلاثمائة وأربعمائة وخمسمائة فإنها مركبة من لفظة المائة مع سائر الآحاد، وكذلك ألفان وثلاثة آلاف وأربعة آلاف، فإنها مركبة من لفظة الألف مع سائر الألفاظ من الآحاد والعشرات والمئات، كما يقال خمسة آلاف وسبعة آلاف وعشرون ألفا ومائة ألف وسائر ذلك، وهذه صورتها:
أما الآحاد فهي «أ ب ج د ه و ز ح ط ي»، وأما العشرات فهي «ك ل م ن س ع ف ص»، وأما المئات فهي «ق ر ش ت ث خ ذ ض ظ»، وأما الألوف فهي «غ بغ، جغ، دغ، هغ، وغ، زغ، حغ، طغ، يغ».
واعلم بأن كون العدد على أربع مراتب، التي هي الآحاد والعشرات والمئات والألوف ليس هو أمرا ضروريا لازما لطبيعة العدد مثل كونه أزواجا وأفرادا صحيحا وكسورا بعضها تحت بعض، لكنه أمر وضعي رتبته الحكماء باختيار منهم؛ وإنما فعلوا ذلك لتكون الأمور العددية مطابقة لمراتب الأمور الطبيعية، وذلك أن الأمور الطبيعية أكثرها جعلها الباري - جل ثناؤه - مربعات مثل الطبائع الأربع التي هي الحرارة والبرودة والرطوبة واليبوسة، ومثل الأركان الأربعة التي هي النار والهواء والماء والأرض، ومثل الأخلاط الأربعة التي هي الدم والبلغم، والمرتان المرة الصفراء والمرة السوداء، ومثل الأزمان الأربعة التي هي الربيع والصيف والخريف والشتاء، ومثل الجهات الأربع، والرياح الأربع: الصبا والدبور والجنوب والشمال، والأوتاد الأربع: الطالع والغارب ووتد السماء ووتد الأرض، والمكونات الأربع التي هي المعادن والنبات والحيوان والإنس، وعلى هذا المثال وجد أكثر الأمور الطبيعية مربعات.
واعلم بأن هذه الأمور الطبيعية إنما صارت أكثرها مربعات بعناية الباري - جل ثناؤه - واقتضاء حكمته لتكون مراتب الأمور الطبيعية مطابقة للأمور الروحانية التي هي فوق الأمور الطبيعية، وهي التي ليست بأجسام، وذلك أن الأشياء التي فوق الطبيعية على أربع مراتب؛ أولها الباري - جل جلاله - ثم دونه العقل الكلي الفعال، ثم دونه النفس الكلية، ثم دونه الهيولى الأولى، وكل هذه ليست بأجسام.
واعلم يا أخي، أيدك الله وإيانا بروح منه، بأن نسبة الباري - جل ثناؤه - من الموجودات كنسبة الواحد من العدد، ونسبة العقل منها كنسبة الاثنين من العدد، ونسبة النفس من الموجودات كنسبة الثلاثة من العدد، ونسبة الهيولى الأولى كنسبة الأربعة.
Bog aan la aqoon