Rasaail Ikhwaan al-Safaa iyo Xulafada Wafa
رسائل اخوان الصفاء و خلان الوفاء
Noocyada
كان الذين يتكلمون في الحوادث الكائنات التي دون فلك القمر من الحكماء، والفلاسفة ينسبون هذه الآثار والأفعال كلها إلى الطبيعة، وكما أن أقواما من العلماء ينكرون أفعالها وينكرون الطبيعة أيضا أصلا احتجنا أن نذكر معنى قولهم الطبيعة، ونبين أن الذين أنكروا أفعالها ذهب عليهم معنى الطبيعة ولم يعرفوها، فمن ذلك أنكروا أفعالها.
واعلم يا أخي - أيدك الله وإيانا بروح منه - أن الطبيعة إنما هي قوة من قوى النفس الكلية منبثة منها في جميع الأقسام التي دون فلك القمر، سارية في جميع أجزائها كلها، تسمى باللفظ الشرعي الملائكة الموكلين بحفظ العالم وتدبير الخليقة بإذن الله، وتسمى باللفظ الفلسفي قوى طبيعية، وهي فاعلة في هذه الأجسام بإذن الباري - جل ثناؤه - والذين أنكروا فعل الطبيعة إنما ذهب عليهم معنى هذه التسمية، وظنوا أنها متوجهة نحو الجسم، والجسم من حيث هو جسم لا فعل له البتة بالإجماع من الفريقين، بدلائل قد صحت وبراهين قد قامت.
واعلم يا أخي بأن الذين أنكروا فعل الطبيعة يقولون إنه لا يصح الفعل إلا من حي قادر - وهو قول صحيح - ولكن يظنون أن الحي القادر لا يكون إلا بجسم إذا كان على هيئة مخصوصة بأعراض تحله بزعمهم مثل الحياة والقدرة والعلم وما شاكلها، ولا يدرون أن مع هذا الجسم جوهرا آخر روحانيا غير مرئي، وهي النفس، وأن هذه التي وصفوها من الأعراض بأنها حالة في الجسم هي التي تظهرها فيه، أعني النفس بفعلها في الجسم.
واعلم يا أخي أنما ذهب على الذين أنكروا فعل الطبيعة علم النفس، وخفي عليهم معرفتها من أجل أنهم طلبوا إدراكها بالحواس فلم يجدوها، فأنكروا وجودها، وأما الذين أقروا بالنفس وأدركوا وجودها فإنما عرفوا ذلك بالأفعال الصادرة عنها في الأجسام، وذلك أنهم اعتبروا أحوال الجسم فوجدوه لمجرده لا فعل له البتة ولا للأعراض الحالة فيه، وإنما الأفعال كلها للنفس، وأما الجسم وأعراضه فإنها للنفس بمنزلة أدوات وآلات لصانع يظهر بها ومنها أفعاله كما يرى ذلك من الصناع البشريين، فإنهم بأدوات جسمانية يظهرون صناعاتهم في الأشياء، مثال ذلك: النجار؛ فإنه يظهر أفعاله في الخشب الذي هو جسم طبيعي بآلات وأدوات جسمانية كالفأس والمنشار والمثقب وما شاكلها، وكلها أجسام صناعية، وأجسام الصناع هي أيضا من الأجسام الطبيعية، وهي آلات لنفوسهم وأدوات لها يظهرون بها صناعتهم وأفعالهم، كما بينا في رسالة تركيب الجسد ورسالة الصنائع العملية.
وإذ قد بان ما الطبيعة وأنها قوة من قوى النفس الكلية الفلكية، وأنه لا فعل إلا للنفس، وأنها تفعل أفعالها بقوتها في الأجسام، وأن الأجسام كلها آلات وأدوات ومفعولات لها، كما أن الفكر والعلم آلات للنفس في إدراك المعلومات والمعقولات، وإخراجها من القوة إلى الفعل، فنرجع الآن إلى ذكر الأجسام البسيطة التي دون فلك القمر، ونقول إنها الهيولى الموضوع للطبيعة، وهي فاعلة فيها الأشكال والصور، صانعة منها الحيوان والنبات والمعادن، وإن الأشخاص الفلكية لها كالأدوات للصانع ، وذلك أن الفلك يدوم دورانه حول الأرض في كل أربع وعشرين ساعة دورة واحدة وبحركات كواكبه ومطارح شعاعاته في سمك الهواء على سطح الأرض والبحار، وإسخانها لها يحلل المياه فيصيرها بخارا، ويلطف أجزاء التراب فيصيرها دخانا، وتختلطان ويكون منهما المزاجات كما يكون من أصباغ المصورين.
ثم إن قوى النفس الكلية الفلكية السارية في جميع الأجسام المسماة الطبيعة تنقش وتصور وتصوغ من تلك المزاجات والأخلاط أجناس الكائنات التي هي الحيوان والنبات والمعادن بإذن الله - عز وجل، ولما كان أول اختلاط ومزاج يحدث في هيئة هذه الأركان هو تغييرات الهواء وحوادث الجو لسهولة انفعاله وسرعة استحالته، احتجنا أن نذكر حال الهواء أولا، ثم حال المياه، ثم حال بقاع الأرض، فنقول: إنا قد بينا في رسالة السماء والعالم أن كرة الهواء محيطة بكرة الأرض من جميع جهاتها، وأن سمكها من ظاهر سطح الأرض إلى أدنى فلك القمر مثل قطر الأرض ست عشرة مرة ونصفها، وذلك أن قطر الأرض ألفان ومائة وسبعة وستون فرسخا، فيكون سمك الهواء 35758 فرسخا.
واعلم يا أخي بأن سمك الهواء ينفصل بثلاث طبائع متباينات، إحداها مما يلي سطح الأرض، والأخرى هي الوسط بينهما، وذلك أن الهواء الذي يلي فلك القمر هو نار سموم في غاية الحرارة يسمى الأثير، والذي في الوسط بارد في غاية البرودة يسمى الزمهرير، والذي يلي سطح الأرض معتدل المزاج في موضع دون موضع يسمى النسيم، والعلة في اختلاف هذه الطبائع الثلاث هو أن الهواء المماس لفلك القمر لدوام دورانه معه وسرعة حركته قد حمي حميا شديدا حتى صار نارا سموما، ثم إنه لما كان منهبطا إلى أسفل كان أبطأ لحركته وأقل لحرارته، وكلما قلت الحرارة غلبت البرودة، فلا يزال كذلك إلى أن يصير في غاية البرودة التي تسمى زمهريرا، والذي يلي سطح الأرض معتدل المزاج في موضع غير موضع، ولا يكون سمك كرة الأثير بالإضافة إلى كرة الزمهرير إلا شيئا يسيرا، ولولا مطارح شعاعات الشمس والقمر والكواكب على سطح الأرض وانعكاسها في الهواء وإسخانها له لكان المماس لظاهر سطح الأرض أشد بردا مما سواه، كما يعرض ذلك تحت قطب الشمال، وذلك أنه يصير هناك ستة أشهر ليلا كله فيبرد الهواء بردا شديدا وتجمد المياه ويظلم الجو ويغلظ ويهلك الحيوان والنبات، وأما في مقابلة هذا الموضع مما يلي قطب الجنوب يكون في هذه الأشهر الستة نهارا كله، فيدوم إشراق الشمس على تلك البقاع، ويتصل انعكاس شعاعاتها في الهواء، فيحمى ويسخن إسخانا شديدا، حتى يصير نارا سموما محرقة للحيوان والنبات، وعلة أخرى هي أن الشمس في وقت مسامتتها لهذه البقاع تكون قريبة من الأرض؛ لأن حضيضها في آخر القوس، وأما إذا كانت في البروج الشمالية فإن تحت قطب الشمال يكون أيضا ستة أشهر نهارا كله، ولكن لا تسخن تلك البقاع كإسخانها البقاع التي تحت قطب الجنوب؛ لأنها تكون بعيدة من الأرض مرتفعة في الفلك؛ لأن أوجها في آخر الجوزاء.
ثم اعلم يا أخي بأن بين بعدها في الأوج وبين قربها في الحضيض مقدار قطر الأرض مائة مرة، وهذا مقداره 216755 فرسخا، ومن أجل هذا صار العامر من الأرض في الربع الشمالي من خط الاستواء إلى نيف وست وستين درجة، وهو بين ممر رأس الحمل على سمت الرأس إلى حيث ممر الكف الخضيب على سمت الرأس، وفي هذا الربع الأقاليم السبعة، كما بينا في رسالة جغرافيا، ووصفنا فيها ما في كل إقليم من المدن والجبال والبحار والأنهار.
واعلم يا أخي أن على سمت هذه الأقاليم يخترق من الهواء النسيم أكثر، وفي هذه البلدان تعتدل الطبائع، ونريد أن نذكر سمك كرة الغيم والنسيم وأكثر ما ترتفع، وذلك تارة يزيد في سمكه وارتفاعه، وتارة ينقص من ذلك بحسب زوايا شعاعات الشمس والكواكب المنعكسة في طرفي النهار وأنصافه وأيام الشتاء والصيف، وذلك أيضا بحسب ارتفاعات الشمس والكواكب من الآفاق وممراتها على سمت البقاع.
فصل
Bog aan la aqoon