150

Rasaail Ikhwaan al-Safaa iyo Xulafada Wafa

رسائل اخوان الصفاء و خلان الوفاء

Noocyada

(4) فصل في أنه ليس للعالم فراغ

اعلم يا أخي أن هذه الأكر محيطات بعضها ببعض كإحاطة طبقات البصل، مماس سطح الحاوي بسطح المحوي، وليس بينهما فراغ ولا خلاء إلا فصل مشترك وهمي، وقد ظن قوم من أهل العلم أن بين فضاء الأفلاك وأطباق السموات وأجزاء الأمهات مواضع فارغة، وليس الأمر كما ظنوا؛ لأن معنى الخلاء هو المكان الفارغ الذي لا متمكن فيه، والمكان صفة من صفات الأجسام لا يقوم إلا بالجسم ولا يوجد إلا معه.

واعلم أن النور والظلمة هما أيضا صفتان من صفات الأجسام، ولا يمكن أن يعقل أن موضعا في العالم لا مظلما ولا مضيئا البتة فأين وجود الخلاء إذن؟!

واعلم أنه إنما ظن من قال بوجود الخلاء أنه لما رأى بعض الأجسام تنتقل من موضع إلى موضع آخر توهم أنه لولا الخلاء لكان الملء يمنعه من الحركة والنقلة.

واعلم بأنه لو كانت الأجسام كلها صلبة متماسكة الأجزاء كالحجر والحديد لكان الأمر كما ظنوا، ولكن لما كان بعض الأجسام رخوا لطيفا سيالا كالماء والهواء لم يمتنع أن تتحرك بعض الأجسام بين أجزائه، كما يتحرك السمك في الماء، والطير في الهواء، وسائر الحيوانات على وجه الأرض.

(5) فصل في أنه ليس خارج العالم لا خلاء ولا ملاء

اعلم أن الشمس لما كانت في الفلكاعلم يا أخي أن هذه الإحدى عشرة كرة هي جملة العالم ومساكن الخلائق أجمعين، وقد ظن كثير بالأوهام أن وراء الفلك المحيط جسم آخر وخلاء بلا نهاية، وكلا الحكمين خطأ لا حقيقة له؛ لأنه قد قام بالبرهان العقلي أن الخلاء غير موجود أصلا لا خارج العالم ولا داخله؛ لأن معنى الخلاء هو المكان الفارغ الذي لا متمكن فيه كما وصفنا، والمكان صفة من صفات الأجسام وهو عرض ولا يقوم إلا بالجسم ولا يوجد إلا معه، فمن ادعى أن خارج العالم جسم آخر من أجل الوهم الذي يتخيله فهو المطالب بالدليل على دعواه.

واعلم أن الوهم قوة من قوى النفس، وهي تتخيل ما لا حقيقة له، وما له حقيقة، فليس ينبغي أن يحكم على متخيلاتها أنها حق وباطل دون أن تشهد لها إحدى القوى الحساسة، ويقوم عليها برهان ضروري، أو يقضي لها العقل.

واعلم أن حكم العقل هو الذي يتساوى فيه العقلاء، وكلهم لم يتفقوا على أن خارج العالم جسم آخر؛ لأن الحس لم يدركه، والعقل لم يقض به، والبرهان لم يقم عليه، فأي قضية تحكم أن هناك جسما آخر غير تخيل الأوهام الكاذبة، فإن كان هناك جسم آخر كما ادعى المدعي فلا يمكن أن يكون من ورائه شيء آخر؛ لأن الجسم ذو نهاية، والخلاء ليس بموجود ببراهين قد قامت كما ذكرنا، فأما الدليل على أن كل جسم ذو نهاية فقد اتفقت عليه الآراء النبوية والفلسفية جميعا، وذلك أن من الرأي النبوي أن كل جسم مخلوق، وكل مخلوق ذو نهاية في أولية العقل، ومن الرأي الفلسفي أن كل جسم مركب من هيولى وصورة، وكل مركب ذو نهاية في أولية العقل.

(6) فصل في أن موضع الشمس وسط العالم

Bog aan la aqoon