145

Rasaail Ikhwaan al-Safaa iyo Xulafada Wafa

رسائل اخوان الصفاء و خلان الوفاء

Noocyada

(3) فصل في أقاويل الحكماء في ماهية الحركة

الحركة - يقال - على ستة أوجه: الكون والفساد والزيادة والنقصان والتغير والنقلة، فالكون هو خروج الشيء من العدم إلى الوجود، أو من القوة إلى الفعل، والفساد عكس ذلك، والزيادة هي تباعد نهايات الجسم عن مركزه، والنقصان عكس ذلك، والتغير هو تبدل الصفات على الموصوف من الألوان والطعوم والروائح وغيرها من الصفات، وأما الحركة التي تسمى النقلة فهي عند جمهور الناس الخروج من مكان إلى مكان آخر، وقد يقال إن النقلة هي الكون في محاذاة ناحية أخرى في زمان ثان، وكلا القولين يصح في الحركة التي هي على سبيل الاستقامة، فأما التي على الاستدارة فلا يصح؛ لأن المتحرك على الاستدارة ينتقل من مكان إلى مكان، ولا يصير في محاذاة أخرى في زمان ثان، فإن قيل إن المتحرك على الاستدارة أجزاؤه كلها تتبدل أماكنها، وتصير في محاذاة أخرى في زمان ثان إلا الجزء الذي هو ساكن في المركز ، فإنه ساكن فيه لا يتحرك، فليعلم من يقول هذا القول ويظن هذا الظن، أو يقدر أن هذا الرأي صحيح أن المركز، إنما هو نقطة متوهمة وهي رأس الخط، ورأس الخط لا يكون مكان الجزء من الجسم، وليعلم أيضا أن المتحرك على الاستدارة بجميع أجزائه متحرك، وهو لا ينتقل من مكان إلى مكان، ولا يصير محاذيا بالشيء آخر في زمان ثان، فأما الحركة على الاستقامة فلا يمكن أن تكون إلا بالانتقال من مكان إلى مكان، والمرور بمحاذيات في زمان ثان، فإذا قيل إنه يمكن ذلك فإن الإنسان مثلا قد يحرك يده أو بعض أجزائه وهو لا ينتقل من مكان إلى مكان فماذا ترى كيف يكون حال اليد؟ هل يجوز أن تتحرك ولا تخرج من مكان إلى مكان؟! وكذلك حكم الإصبع هل يجوز أن يتحرك ولا ينتقل من مكان إلى مكان، ولا يمر بمحاذاة أخرى في زمان ثان؟!

واعلم أنه متى تحركت الأجزاء من جسم فقد تحركت تلك الجملة، ومتى تحركت تلك الجملة فقد تحركت تلك الأجزاء؛ لأن تلك الأجزاء ليست غير تلك الجملة، وذلك أنه إذا تحرك الإنسان فقد تحركت جملة أعضائه، وإذا تحركت أعضاؤه فقد تحرك هو، وإن تحركت يده وحدها فقد تحركت أجزاء اليد كلها؛ لأن اليد ليست شيئا غير تلك الأجزاء، وكذلك إن تحرك إصبع واحد فقد تحركت أجزاء الإصبع كلها؛ لأن الإصبع ليست غير تلك الأجزاء، فمن ظن أنه يجوز أن تتحرك الأجزاء ولا تتحرك الجملة، أو تتحرك الجملة ولا تتحرك بعض الأجزاء فقد أخطأ.

واعلم أنه قد ظن كثير من أهل العلم أن المتحرك على الاستقامة يتحرك حركات كثيرة؛ لأنه يمر في حركته بمحاذيات كثيرة في حال حركته، ولا ينبغي أن تعتبر كثرة الحركات لكثرة المحاذيات، فإن السهم في مروره إلى أن يقع حركة واحدة يمر بمحاذيات كثيرة، وكذلك المتحرك على الاستدارة فحركته واحدة إلى أن يقف، وإن كان يدور أدوارا كثيرة.

ثم اعلم أنه لا تنفصل حركة عن حركة إلا بسكون بينهما، وهذا يعرفه - ولا يشك فيه - أهل صناعة الموسيقى؛ وذلك أن صناعتهم معرفة تأليف النغم، والنغم لا يكون إلا بالأصوات، والأصوات لا تحدث إلا من تصادم الأجسام، وتصادم الأجسام لا يكون إلا بالحركات، والحركات لا تنفصل بعضها عن بعض إلا بسكونات تكون بينها، فمن أجل هذا قال الذين نظروا في تأليف النغم إن بين زمان كل نقرتين زمان سكون، وقد بينا طرفا من هذا العلم في رسالتنا تأليف اللحون ما هي؟ وكم هي؟ وكيف هي؟ فاعرفها من هناك.

واعلم أنه ينبغي لمن ينظر في حقائق الأشياء ويبحث عن ماهيتها أن يبتدئ أولا وينظر ويبحث هل الشيء جوهر أو عرض أو هيولى أو صورة جسمانية أو روحانية، فإن كان جوهرا فأي جوهر هو؟ وإن كان عرضا فأي عرض هو؟ وإن كان هيولى فأي هيولى هو؟ وإن كان صورة فأي صورة هي؟ وكيف هي؟

واعلم أن الحركة في بعض الأجسام جوهرية كحركة النار، فإنها متى سكنت حركتها طفئت وبطلت وبطل وجودها، وفي بعض الأجسام عرضية لها الحركة كحركة الماء والهواء والأرض؛ لأنها إن سكنت حركتها لا يبطل وجدانها.

واعلم أن الحركة هي صورة جعلتها النفس في الجسم بعد الشكل، وأن السكون هو عدم تلك الصورة، والسكون بالجسم أولى من الحركة؛ لأن الجسم ذو جهات لا يمكنه أن يتحرك إلى جميع جهاته دفعة واحدة وليست حركته إلى جهة أولى به من جهة؛ فالسكون به إذن أولى من الحركة.

واعلم أن الحركة وإن كانت صورة فهي صورة روحانية متممة تسري في جميع أجزاء الجسم، وتنسل عنه بلا زمان، كما يسري الضوء في جميع أجزاء الجسم الشفاف، وينسل عنه بلا زمان، فإنك ترى السراج إذا دخل البيت أضاء البيت من أوله إلى آخره دفعة واحدة، وإذا خرج أظلم الهواء في البيت دفعة واحدة بلا زمان، وكذلك الشمس إذا طلعت بالمشرق أضاء الهواء من المشرق إلى المغرب دفعة واحدة، فإذا غابت بالمغرب أظلم الهواء دفعة واحدة، فالحرارة إذا بدت تدب أولا فأولا يحمى الجو بزمان، وكذلك إذا طلعت الشمس يحمى الجو أولا فأولا بزمان، وكذلك إذا غابت الشمس برد الهواء أولا فأولا بزمان.

واعلم أن الحركة حكمها كحكم الضوء، وذلك لو أن خشبة طولها من المشرق إلى المغرب نصبت ثم جذبت إلى المشرق أو إلى المغرب عقدا واحدا لتحركت جميع أجزائها دفعة واحدة.

Bog aan la aqoon