103

Rasaail Ikhwaan al-Safaa iyo Xulafada Wafa

رسائل اخوان الصفاء و خلان الوفاء

Noocyada

واعلم يا أخي، أيدك الله وإيانا بروح منه، بأنك إذا أنعمت النظر بعقلك، وفكرت برويتك، وتأملت أوامر الناموس ونواهيه وأحكامه وحدوده وترغيبه وترهيبه ووعده وعيده وزجره وتهديده؛ عرفت وتبينت أن أكثر أوامره هي بخلاف ما في طباع الناس، ونواهيه عما هو في الجبلة مركوز من تركب الشهوات أو طلب الراحة والنعيم والتلذذ، وما هو مركوز في الجبلة.

وذلك أنه أمر بالصيام وترك الأكل والشرب عند شدة الجوع والعطش، وبالطهارة عند البرد، وبالقيام في الصلاة وترك النوم على الفراش الوطيء، وبالمواساة عند القلة وشدة الحاجة، وبالتعفف عند هيجان الشهوة، وبالحلم عند سورة الغضب، وبالشجاعة عند المخاوف، وبالعفو عند المقدرة، وبالعدل عند الحكومة، وبالصبر عند الشدائد، وبالرضا عند مر المقادير، وبحسن العزاء عند المصائب، وبالاجتهاد والتشمير عند الكسل، وبصدق القول عند شدة الخوف منه، وبالسخاء عند شدة الفقر، وبوفاء العهد عند المغيب، وبالزهد في الدنيا عند التمكن منها، وما شاكل هذه الأفعال والأعمال والأخلاق والسجايا التي في الجبلة خلافها وفي الطباع مركوز غيرها، ويروى في الخبر أنه سئل رسول الله - صلى الله عليه وآله - عن معنى قول الله - عز وجل: @QUR07 خذ العفو وأمر بالعرف وأعرض عن الجاهلين، فقال: جمع في هذه الآية مكارم الأخلاق، وهي سبعة: عفوك عمن ظلمك، وإعطاؤك من حرمك، وصلتك لمن قطعك، وإحسانك إلى من أساء إليك، ونصيحتك لمن غشك، واستغفارك لمن اغتابك، وحلمك عمن أغضبك.

واعلم يا أخي بأن هذه هي أمهات أخلاق الكرام من أولياء الله الذين أشار إليهم بقوله: @QUR07 وعباد الرحمن الذين يمشون على الأرض هونا إلى آخر الآية، وقوله: @QUR05 رحماء بينهم تراهم ركعا سجدا وهي أخلاق الملائكة الذين أشار إليهم بقوله - جل ثناؤه: @QUR05 الذين يحملون العرش ومن حوله الآية، انظر الآن يا أخي، أيدك الله وإيانا بروح منه، إلى ما ذكرناه من أخلاق الكرام، وتفكر فيها إن كنت تريد أن تكون من أولياء الله وأهل جنته، ومن حزب ملائكته الكرام البررة، فاقتد بهم، وتخلق بأخلاقهم باجتهاد منك وروية وعناية شديدة وكثرة استعمال لها وطول دربة بها؛ لتصير لك عادة وطبيعة وجبلة مركوزة، وتبقى في نفسك مصورة عند المفارقة، ودع أخلاق إخوان الشياطين وجنود إبليس أجمعين.

واعلم علما يقينا بأن ليس يصحب الإنسان بعد الموت عند مفارقة النفس الجسد، ويبقى معه من كل ما يملك في الدنيا من المال والأهل والمتاع، إلا ما كسبت يداه من هذه الأخلاق والأعمال المشاكلة لها، والعلوم والمعارف والآراء التي اعتقدها وأضمرها، كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إنما هي أعمالكم ترد إليكم، وقال الله - جل ثناؤه: @QUR04 ووجدوا ما عملوا حاضرا.

واعلم يا أخي بأن أخلاق بني الدنيا وسجاياهم إنما جعلت طبيعة مركوزة في الجبلة؛ لأنهم وردوا إلى الدنيا جاهلين غير مستعدين لها، فأزيحت عللهم في ذلك، فأما أبناء الآخرة فصارت أخلاقهم مكتسبة معتادة؛ لأنهم أزيحت عللهم قبل ورودهم إلى الآخرة بما أعلموا بها، وأخبروا عنها، وبشروا بها، وأنذروا منها، وجدوا في طلبها.

وأوضح لهم طريقها، وأزيحت عللهم فيما يحتاجون إليه من البيان والاستطاعة والقدرة والهداية والأمر والنهي والوعد والوعيد والترغيب والترهيب وما شاكل ذلك مما هو بين واضح في أحكام النواميس وحدودها، وفي موجبات العقول وقضاياها؛ لئلا يكون للناس على الله حجة بعد الرسل والعقول المركوزة.

وإذ قد تبين بما ذكرنا ما العلة وما السبب في كون أخلاق أبناء الدنيا مركوزة في الجبلة، وأخلاق أبناء الآخرة مكتسبة معتادة؛ فنريد أن نبين أن من الأخلاق المكتسبة ما هي مذمومة وما هي محمودة، وأن المحمودة منها ما هي بموجب العقل وقضاياه، ومنها ما هي بموجب أحكام الناموس وأوامره، وهكذا حكم المذمومة منها.

واعلم يا أخي بأن كل عاقل ذكي القلب إذا نظر بعقله وتفكر برويته في أحوال الناس، وميز بين طبقاتهم، واعتبر تصاريف أمورهم في دنياهم؛ عرف، وتبين له بأن منهم خاصا وعاما وملوكا وسوقة، ويعلم ويتبين له بأن أخلاق الملوك وسجاياهم وآداب أتباعهم ومن يصحبهم وينادمهم خلاف أخلاق العامة والسوقة، ويعلم بأنه لا يترك أحد من العامة والسوقة أن يدخل إلى مجالس الملوك إلا بعد أدب وعلم وسكون ووقار وهيبة وجلالة، فيكون في هذا دلالة له.

فيعلم أنه لا يمكن أحدا من الناس، ولا يليق به، ولا يثق أن يصعد إلى ملكوت السماوات وسعة الأفلاك والدخول في زمرة الملائكة إلا بعد عناية شديدة في تهذيب نفسه وإصلاح أخلاقه وصحة اعتقاده وحقيقة معلوماته، فيجتهد عند ذلك في إصلاح ما هو فاسد منها، ويتجنب ما هو مذموم بحسب ما توجبه قضية عقله، ويؤدي إليه اجتهاده كما هو مذكور في كتب السياسة الفلسفية.

واعلم يا أخي أنه لما لم يكن في مكنة كل عاقل أن يفعل ما وصفنا؛ إذ كان يحتاج فيه إلى عناية شديدة، وبحث دقيق، ونظر قوي؛ خفف الله تعالى ذلك عليهم، وبعث واضعي النواميس الإلهية مؤيدين مع الوصايا المرضية، وأمرهم بامتثال أمرهم ونهيهم، فبنوا لهم الهياكل والمساجد والبيع ومواضع الصلوات وبيوت العبادات، وأمروهم بالدخول إليها بعد طهارة ونظافة ولبس الزينة بسكينة ووقار وأدب وورع وخشوع وتسبيح واستغفار، وترك أشياء كانت مباحة لهم وجائزا أن يفعلوها في بيوتهم وأسواقهم ومجالسهم وطرقاتهم؛ كل ذلك ليكون دلالة لكل عاقل فهم أنه هكذا ينبغي أن تكون سيرة من يريد أن يدخل الجنة، ويعرج بروحه إلى ملكوت السماوات طول عمره وأيام حياته كلها؛ لتصير عادة له وجبلة وطبيعة ثابتة، فيستحق ويستاهل أن يعرج بروحه إلى هناك كما ذكر الله تعالى بقوله: @QUR07 إليه يصعد الكلم الطيب والعمل الصالح يرفعه يعني روح المؤمن.

Bog aan la aqoon