============================================================
البقاء في دار الغرور، فأسر عوا إلسى حذف العلائق الشاغلة عن مسابقة الخدم، وتجرعوا مرارة المكايدة، وصدقوا الله في معاملته، وأحسنوا الأدب فيما توجهوا اليه، وهانت عليهم المصائب، وعرفوا قدر ما يطلبون، واغتنموا سلامة الأوقات وسلامة الجوارح، وأماتوا شهوات النفوس، وسجنوا همومهم عن التقلب إلى مذكور سوى وليهم، وحرسوا قلوبهم عن التطلع في مرآة الغفلة، وأقاموا عليها رقيبا من علم من لا يخفى عليه مثقال ذرة من بر ولا بحر، ومن أحاط بكل شيء علما وأحاط به خبرا، فانقادت تلك النفوس بعد اعتياصها، واستبقت منافسة لأيناء جنسها، نفوس ساسها وليها وحفظها بارنها، وكلأها كافية.
فتوهم يا أخي إن كنت ذا بصيرة ماذا يرد عليهم في وقت مناجاته، وماذا يلقونه من نوازل حاجاتهم، تر أرواحا تتردد في أجسادها أذابتها الخشية، وذللتها الخدمة وتسربلها الحياء، وجمها القرب، وأسكنها الوقار، وأنطقها التذكار، وخالفها السهر، وأنطقها الحذر، أنيسها الخلوة، وحديثها الفكرة، وشعارها الذكر، شغلها بالله متصل، وعن غيره منفصل، لا تتلقى قادما، ولا تشيع ظاعنا، غذاؤها الجوع والظمأ، وراحتها التوكل وكنزها الثقة ومعولها الاعتماد، ودواؤها الصبر وقرينها الرضا.
نفوس قدمت لتأدية الحق، ورقيت لنفيس الكلام، وكفيت مؤنة ثقل المحن، * لا تحزنهم الفزع الأكبر وتتلقه الملتبكة هذا يومكم الذى كنثة توعدوب) ([الأنبياء: 103] وقوله سبحانه وتعالى: ل تحن أوليآؤكم فى آلحيوة الذنيا وفى آلآخرة ولكم فيها ما تشتهى أنفسكم ولكم فيها ما تدعون ي. نزلا من غفور رجيم} [فصلت: 31، 32].
وينبغي للعاقل ألا ينفك من إحدى ثلاثة مواطن موطن. يعرف فيه حاله أمتزايد هو آم منتقص، وموطن يخلو فيه بتأديب نفسه والزامها ما يلزمها، وموطن يستحضر عقله مجارى التدبير وكيف تختلف به الأحكام أناء الليل والنهار، ولن يصفو عقل لا يصدر إلى فهم هذا الحال الأخير إلا بأحكام ما يجب عليه من إصلاح الحالين الأولين.
Bogga 119