Qoob ka ciyaarka Hadhka Farxadeed

Rihab Salah Din d. 1450 AH
69

Qoob ka ciyaarka Hadhka Farxadeed

رقصة الظلال السعيدة

Noocyada

كانت أمي تحيك لي فستانا. طوال شهر نوفمبر كنت أعود من المدرسة فأجدها في المطبخ، حولها قطع من قماش المخمل الأحمر وقصاصات «باترون» من الورق الشفاف. كانت تعمل على ماكينة خياطة قديمة ذات دواسة، موضوعة إلى الجدار الذي فيه النافذة؛ كي يتوفر لها الضوء، وكي يتسنى لها أيضا أن تنظر للخارج، إلى الحقول المجزوزة وبستان الخضر العاري من النباتات، وترى الرائح والغادي في الطريق. لكن نادرا ما كان يمر أي شخص لتراه.

كان العمل على قماش المخمل صعبا؛ لأن نسيجه «ينسل»، فضلا عن أن القصة التي اختارتها أمي لم تكن سهلة. لم تكن خياطة ماهرة في الواقع. لكنها كانت تحب حياكة الأشياء؛ وهذا أمر مختلف. كانت تحاول تخطي خطوتي «التسريج» والكي متى تسنى لها ذلك، ولا تحفل كثيرا بالتفاصيل الدقيقة للخياطة، و«تشطيب» عرى الأزرار، ولفق الثنيات، مثلا، مثلما كانت تفعل خالتي وجدتي. بل كانت - على عكسهما - تبدأ من الإلهام، من فكرة مبهرة جريئة؛ ومن تلك اللحظة فصاعدا، يتراجع ابتهاجها شيئا فشيئا. بادئ ذي بدء، لم تكن تستطيع قط أن تجد موديلا مناسبا. ولا عجب من ذلك؛ لأنه ما من موديل كان يمكن أن يوافق الأفكار التي يتفتق عنها ذهنها. كانت قد صنعت لي - في مناسبات عدة حينما كنت أصغر سنا - فستانا من قماش الأورجانزا المنقوش بالورود برقبة مرتفعة على الطراز الفيكتوري يحيطها شريط من الدانتيل المشرشر، مع قبعة بحافة مرتفعة كي تلائمه؛ كما صنعت لي طقما من القماش المنقوش بالمربعات اسكتلندي الطراز مع سترة مخملية وقلنسوة صوفية؛ وبلوزة مطرزة ريفية الطراز، أرتديها مع تنورة حمراء بالكامل وصديرية من الدانتيل الأسود. كنت أرتدي هذه الملابس مذعنة - وربما مسرورة - في الأيام التي لم أكن فيها على دراية برأي الناس. أما الآن وقد صرت أكثر فطنة، فصرت أتمنى أن يكون لدي فساتين كتلك التي لدى صديقتي لوني، والتي اشترتها من متجر «بيل».

كان لا بد أن أجربها. فقد كانت لوني في بعض الأحيان تأتي معي من المدرسة إلى منزلي وتجلس على الأريكة تراقب ما يحدث. كنت أشعر بالحرج من الطريقة التي تتحرك بها أمي ببطء من حولي، بركبتيها اللتين تطقطقان، وأنفاسها التي تخرج ثقيلة. كانت تتمتم بأشياء لنفسها، ولم تكن ترتدي في البيت مشدا للخصر أو جوارب طويلة، وكانت ترتدي حذاء ذا كعب من قطعة واحدة، وجوارب كاحل تكشف عن ساقين تعلوهما تكتلات من العروق الخضراء المزرقة. كنت أرى أن منظرها في وضع القرفصاء مخز، بل فاحش؛ فكنت أظل أتحدث إلى لوني كي أحول انتباهها عن أمي قدر المستطاع. كانت لوني ترسم على وجهها تعبيرا هادئا مهذبا ممتنا كانت تتصنعه في حضور الكبار. عدا ذلك، كانت تهزأ منهم وتقلدهم بسخرية لاذعة، لكنهم لم يعلموا بذلك قط.

أخذت أمي تجذبني يمينا ويسارا، وتغرس الدبابيس في الفستان. وجعلتني أستدير حول نفسي، وأسير أمامها، وأقف ثابتة. ثم قالت والدبابيس بفمها: «ما رأيك في الفستان يا لوني؟»

قالت لوني بطريقتها الوديعة المخلصة: «إنه جميل.» كانت أم لوني متوفاة. وكانت تعيش مع والدها الذي لم يكن يراقبها قط، وهذا في نظري، كان يجعلها محظوظة ومعرضة للأذى في الوقت نفسه.

قالت أمي: «سيكون جميلا، إذا استطعت فقط أن أضبط المقاس.» ثم قالت بطريقة مسرحية: «آه، حسنا، أشك في أنها ستقدر قيمته.» قالتها وهي تهب واقفة، وتصدر منها تنهيدة بائسة وصوت طقطقة مروع. غاظني أن تتحدث هكذا إلى لوني، وكأن لوني ناضجة وأنا ما زلت طفلة. قالت: «قفي ثابتة.» بينما كانت تخلع الفستان المسرج والمشبك بالدبابيس فوق رأسي. انكتم رأسي داخل المخمل، وظهر جسمي في قميص تحتاني مدرسي قطني قديم. شعرت أنني كتلة ضخمة عارية، خرقاء ومقشعرة الجلد. كم تمنيت لو كنت مثل لوني، رقيقة البنية، واهنة ونحيلة؛ حتى إنها كانت حين ولادتها «طفلة مزرقة».

قالت أمي: «حسنا، لم يحك لي أحد فساتين قط حينما كنت أرتاد المدرسة الثانوية، كنت أحيكها لنفسي، أو أستغني عنها.» كنت أخشى أن تبدأ ثانية قصة مشيها سبعة أميال إلى البلدة وعثورها على وظيفة نادلة في بنسيون، كي يتسنى لها أن تلتحق بالمدرسة الثانوية. كانت كل القصص عن حياة أمي - والتي كانت من قبل تثير اهتمامي - قد بدأت تبدو ميلودرامية وغير واقعية ومملة.

أخذت تروي: «ذات مرة أهديت فستانا، كان من صوف الكشمير القشدي اللون مزينا بشريط أزرق غامق من الأمام، وأزرار رائعة من الصدف، ترى إلام انتهى به الحال الآن؟»

حينما انتهينا أنا ولوني صعدنا للدور العلوي إلى حجرتي. كانت باردة، لكننا مكثنا فيها. كنا نتحدث عن الصبيان في الفصل، فنذكرهم واحدا واحدا في كل صف ونحن نسأل إحدانا الأخرى: «هل أنت معجبة به؟ حسنا، نصف معجبة؟ هل «تكرهينه»؟ هل كنت ستخرجين برفقته إن طلب منك ذلك؟» ولم يحدث قط أن طلب أحدهم من إحدانا أن تخرج برفقته. كنا ثلاثة عشر طالبا وطالبة، نرتاد المدرسة الثانوية منذ شهرين. وكنا نقضي الوقت في الإجابة على الاستبيانات بالمجلات، لتعرف الواحدة منا إذا كانت تتمتع بحضور وإذا كانت محط إعجاب. وكنا نقرأ مقالات عن كيفية وضع أدوات التجميل بطريقة تبرز مواطن الجمال، وعن كيفية إدارة الحديث في أول موعد مع فتى، وعما ينبغي فعله عندما يحاول فتى ما تجاوز حدوده. كنا نقرأ أيضا مقالات عن الفتور الجنسي في فترة انقطاع الطمث، وعن الإجهاض وعن أسباب بحث الرجل عن الإشباع خارج المنزل. وحينما لا نعمل على أداء الواجب المدرسي، كنا ننشغل معظم الوقت بجمع المعلومات الجنسية وتبادلها ومناقشتها. تعاهدنا على أن تخبر إحدانا الأخرى كل شيء. لكن ثمة أمر أخفيته، بشأن حفل الرقص، حفل عيد الميلاد المدرسي الراقص، الذي كانت أمي تحيك لي فستانا من أجله؛ أخفيت أنني راغبة عن الذهاب. •••

في المدرسة الثانوية لم أشعر بالراحة لدقيقة. لم أكن أدري إن كان هذا حال لوني أيضا. قبل الامتحان، كانت يداها تكتسبان برودة الثلج ويزداد وجيب قلبها، أما أنا فكنت أقرب إلى اليأس في كل الأوقات. وحينما كان يوجه إلي سؤال في الفصل، أي سؤال في منتهى البساطة والسهولة، كان صوتي يميل لأن يخرج حادا رفيعا، أو أجش ومتهدجا. وحينما كنت أضطر للذهاب إلى السبورة كان يراودني شعور يقيني - حتى في أيام الشهر التي لا يمكن أن يحدث فيها ذلك - بأن ثمة دما على تنورتي. كانت يداي تصيران زلقتين بفعل العرق عندما ينبغي أن أستخدمهما على نطاق السبورة. كنت لا أستطيع ضرب الكرة في لعبة الكرة الطائرة؛ لأنني كنت حينما يطلب مني أن أؤدي أي حركة أمام الآخرين تتعطل كل ردود أفعالي. كنت أكره مادة أخلاقيات العمل؛ لأنني كنت أطالب بتسطير صفحات لدفتر حسابات، باستخدام قلم قائم، وحينما كان المعلم ينظر - من خلف كتفي - على ما أفعل، كانت كل الخطوط الدقيقة تميل وتتداخل. وكنت أكره مادة العلوم؛ فقد كنا نجلس منتصبين على كراسي بلا ظهر تحت أضواء مزعجة خلف طاولات عليها معدات غريبة سهلة الكسر، وكان يدرسنا مدير المدرسة، وهو رجل له صوت رزين مزهو - كان يتلو آيات من الكتاب المقدس كل صباح - وصاحب موهبة كبيرة في الإذلال وتوجيه الإهانة. وكنت أكره مادة اللغة الإنجليزية؛ لأن الفتيان كانوا يلعبون لعبة «البينجو» في مؤخرة الفصل بينما المعلمة - وهي فتاة سمينة مهذبة، في عينيها حول خفيف - تقرأ شعر ووردز وورث في مقدمة الفصل. كانت تتوعدهم، وترجوهم، بينما يحمر وجهها ويستحيل صوتها مضطربا كاضطراب صوتي. وكانوا هم يقدمون اعتذارات مطعمة بالسخرية، وحينما تبدأ في القراءة ثانية يتخذون وضعيات توحي بالافتتان، وترتسم على وجوههم علامات الوجد، ويحركون أعينهم بحيث تصبح محولة، ويضعون أيديهم فوق قلوبهم. أحيانا كانت تجهش بالبكاء، شعورا بالعجز حيال ما يحدث؛ فتضطر لأن تهرع إلى الخارج نحو الردهة. عندئذ كان الفتيان يصدرون صوتا عاليا كخوار البقرة، بينما ضحكاتنا الجائعة - أه، وضحكتي أنا أيضا - تلاحقها. كان يسود الصف جو كرنفالي من الوحشية بالفصل في تلك الأوقات، يخيف الأشخاص الضعفاء المهزوزين أمثالي.

Bog aan la aqoon