Qoob ka ciyaarka Hadhka Farxadeed
رقصة الظلال السعيدة
Noocyada
ذهبت إلى وسط المدينة واشترت النوتة الموسيقية لأغنيتين: «ليت الدائرة لا تنكسر»، و«ليس خفيا: ما يمكن أن يفعله الرب». جعلت باتريشيا تحفظهما، وغنت باتريشيا هاتين الأغنيتين في الحفل الموسيقي بروكلاند. بدأ بعض الحضور من الجمهور في التهامس، لأنهم سمعوا بما حدث لبيني؛ فقد نشر الخبر في الصحف. أشاروا إلى ليونا، التي ارتدت الملابس الرسمية وجلست فوق المسرح، وأبقت رأسها منخفضا، وأخذت تبكي. بكى بعض الناس من الحاضرين أيضا، لكن باتريشيا لم تبك. •••
في الأسبوع الأول من شهر نوفمبر (والذي لم تبدأ الثلوج فيه في التساقط بعد) حضر شاحذ المقصات والسكاكين بعربته وسار بمحاذاة الطريق السريع، كان الأطفال يلعبون في الأفنية وسمعوا صوته يقترب؛ على الرغم من أنه كان لا يزال بعيدا على الطريق، فإنهم سمعوا نداءه غير المفهوم، الذي كان حزينا ورنانا، وغريبا للغاية لدرجة أنك قد تتصور - إن لم تكن تعرف صاحبه - أن ثمة رجلا مجنونا طليقا يعوي في الطريق. كان يرتدي المعطف البني المتسخ ذاته، والذي كانت حاشيته تتدلى مهترئة، ونفس القبعة المصنوعة من اللباد؛ اقترب على الطريق، يصيح بصوته، فركض الأطفال إلى منازلهم لإحضار السكاكين والمقصات، أو ركضوا في الطريق يصيحون في بهجة: براندون العجوز، براندون العجوز (إذ كان ذلك اسمه).
بعد قليل في فناء آل باري، بدأت باتريشيا في الصراخ: أكره هذا الرجل العجوز! ثم صرخت بصوت عال: أكرهه ! أكره هذا الرجل العجوز، أكرهه! صرخت، ووقفت بلا حراك في الفناء ووجهها يبدو ذابلا وشاحبا. تسبب هذا الصراخ العالي المرتعش في أن جاءت ليونا تركض نحو الخارج، وكذلك الجيران؛ جذبوها داخل المنزل، وكانت لا تزال تصرخ، لم يتمكنوا من إقناعها بأن تخبرهم بما بها؛ ظنوا أنها تعاني من نوبة ما. كانت عيناها مثبتتين لأعلى وفمها مفتوحا على آخره، وأسنانها الصغيرة المدببة بارزة بالكامل تقريبا، ومتآكلة على نحو طفيف عند نهاياتها؛ جعلها هذا تبدو أشبه بالنمس، حيوان صغير بائس ومجنون في نوبة غضب أو ذعر. حاولوا هزها، وصفعها، وإلقاء الماء البارد على وجهها، وفي النهاية نجحوا في جعلها تبتلع جرعة كبيرة من شراب مهدئ به الكثير من الويسكي، ثم وضعوها في الفراش.
قال الجيران بعضهم لبعض أثناء خروجهم من المنزل: هذه ابنة ليونا الغالية. قالوا: هذه «المطربة»، ولأن الأمور عادت إلى ما كانت عليه الآن وعادوا يبغضون ليونا كما كانوا من قبل، ضحكوا في كآبة وقالوا: أجل، نجمة السينما المستقبلية هذه، عندما تراها تصرخ في الفناء، تظن أنها فقدت صوابها. •••
كان هناك هذا المنزل، والمنازل الخشبية الأخرى التي لم تطل من قبل، بأسقفها المرقعة المنحدرة وشرفاتها الضيقة المائلة، والتي ينبعث من مداخنها الدخان الناتج عن حرق الحطب، ووجوه الأطفال الشاحبة وهي تلمس نوافذها، وخلفها مساحة صغيرة من الأرض، محروثة في بعض الأماكن، وفي أماكن أخرى ينمو العشب، وتمتلئ بالصخور، ومن ورائها كانت توجد أشجار الصنوبر، والتي ليست شديدة الارتفاع. في المقدمة كانت توجد الأفنية، الحدائق الهالكة، والطريق السريع الكئيب يمر عبر البلدة. بدأت الثلوج تتساقط ببطء، وبانتظام، بين الطريق السريع والمنازل وأشجار الصنوبر، في ندفات كبيرة في البداية ثم في ندفات أصغر فأصغر، والتي لم تذب فوق الأخاديد الصلبة وصخور الأرض.
يوم الفراشة
لا أذكر متى حلت مايرا سايلا بالبلدة، لكنها كانت - ولا شك - في صفنا في المدرسة منذ سنتين أو ثلاث سنوات. بدأت أتذكرها في العام الماضي، حينما كان أخوها الصغير جيمي سايلا في الصف الأول. لم يكن جيمي سايلا معتادا على الذهاب إلى الحمام بمفرده، وكان يأتي إلى باب الصف السادس ينشد مايرا، فكانت تأخذه إلى الطابق السفلي. وفي كثير من الأحيان كان يأتي إلى مايرا - بعد فوات الأوان - وبقعة داكنة كبيرة تغطي سرواله القطني المزرر. حينئذ كانت مايرا تضطر لأن تسأل المعلمة: «إذا سمحت، هل لي أن آخذ أخي إلى المنزل، لقد بلل نفسه؟»
كان هذا ما قالته أول مرة وسمعه جميع الجالسين في المقاعد الأمامية - رغم أن صوت مايرا كان رخيما ومنخفضا للغاية - فصدرت منهم ضحكات مكتومة جذبت انتباه بقية تلاميذ الصف. كتبت معلمتنا - فتاة رقيقة رزينة ترتدي نظارات يحدها إطار ذهبي رقيق، وتبدو في بعض اللحظات من فرط الكبرياء التي تنم عنها وضعيات معينة كزرافة - شيئا ما على ورقة ثم أرتها لمايرا. قرأت مايرا ما في الورقة في ارتباك: «من فضلك يا معلمتي، تعرض أخي لطارئ.»
كان الجميع يعرف فضيحة جيمي سايلا، وفي وقت الراحة (إذا لم يحدث ما كان يحدث في أكثر الأحيان ومنع من الخروج لفعله أمرا لم يكن ينبغي له أن يفعله في المدرسة) لم يكن جيمي يجرؤ على الخروج إلى فناء المدرسة حيث كان غيره من الأولاد الصغار، وبعض الأولاد الأكبر سنا، ينتظرونه كي يطاردوه ويحاصروه قبالة السور الخلفي ليشرعوا في ضربه بفروع الشجر؛ لذا كان عليه أن يظل مع مايرا. لكن في مدرستنا كان للفناء ناحيتان؛ ناحية للأولاد وأخرى للبنات، وكان يعتقد أنك إذا خطوت فقط إلى الناحية المخالفة لناحيتك فستعرض نفسك للعقاب. ومن ثم؛ لم يكن بمقدور جيمي الخروج إلى ناحية البنات، ولم يكن بمقدور مايرا الخروج إلى ناحية الأولاد، ولم يكن يسمح لأي من التلاميذ بالمكوث داخل المدرسة إلا في حالة هطول المطر أو تساقط الجليد؛ لذا كان الأخوان دائما ما يقضيان أوقات الراحة واقفين داخل رواق خلفي صغير يتوسط الناحيتين. ربما كانا يرقبان مباريات البيسبول، والملاحقة والقفز وبناء منازل من ورق الشجر في الخريف وبناء قلاع من الجليد في فصل الشتاء، وربما لم يرقبا أي شيء على الإطلاق . كلما نظرت إليهما ترى رأسيهما مائلين قليلا، وجسديهما النحيلين منحنيين نحو الأمام، لا يحركان ساكنا. كان لهما وجهان بيضاويان أملسان يشوبهما نوع من الحزن والتكتم، أما الشعر فكان دهنيا لامعا قاتم السواد. كان شعر الصبي الصغير طويلا، يقص في المنزل، وكان شعر مايرا معقوصا في ضفائر غليظة ملفوفة حول قمة رأسها على نحو كان يجعلها تبدو - من بعيد - كما لو كانت ترتدي عمامة كبيرة للغاية بالنسبة لحجم رأسها. تعلو أعينهما السوداء أجفان لا تنفتح بالكامل قط، لهما نظرة منهكة. كان الأمر أكثر من ذلك. لقد كانا كأطفال لوحات القرون الوسطى، كتمثالين منحوتين من الخشب - لممارسة العبادة أو السحر - لهما وجهان ناعمان ومسنان، وديعان، يتميزان بصمت يشوبه الغموض. •••
كان معظم المعلمين في مدرستنا يدرسون منذ وقت طويل، وفي وقت الراحة كانوا يختفون في غرفة المعلمين ولا يضايقوننا. لكن معلمتنا نحن - الشابة ذات النظارات المؤطرة بإطار ذهبي رقيق - كانت تقف لترقبنا من النافذة، وكانت أحيانا تخرج وعليها علامات الغضب والانزعاج كي تنهي عراكا بين الفتيات الصغيرات، أو تستهل لعبة «حقيقة أم أسرار» بين الفتيات الكبار، اللائي يتجمعن معا للعب. ذات يوم خرجت صائحة: «يا فتيات الصف السادس، أود التحدث إليكن!» وابتسمت ابتسامة مشجعة، جدية، يشوبها قلق يثير التوجس، كاشفة عن حواف ذهبية رفيعة تحيط بأسنانها. قالت: «ثمة فتاة في الصف السادس تدعى مايرا سايلا، إنها في صفكم أنتم، أليست كذلك؟»
Bog aan la aqoon