166

فأخذت لبابة تتلو حديث قطام مفصلا من أوله إلى آخره والكل مصغون صامتون ففضحت أسرارها فتحقق عمرو أن إرسالها عبدها إليه لم يكن حبا به ولا نصرة لحزبه بل انتقاما من سعيد وعبدالله. وتبين لديه أن هذين إنما اندفعا للدفاع عن علي بوصية جدهما أبي رحاب واتضح له جليا أن قطاما خائنة لا يوثق بقولها ولا يعتمد عليها وأن بقاءها في قيد الحياة شر على العالمين. ولم يكن اعتقاده بلبابة بأحسن من اعتقاده بقطام لأنه رأى خيانتها رأي العين فصمم على التخلص من كليهما.

وكانت قطام في أثناء حديث لبابة واقفة وقوف الصنم وقد جمد الدم في عروقها واصطكت ركبتاها. وكانت في أول حديث لبابة تهم بتكذيبها وعمرو يسكتها ثم سكتت من تلقاء نفسها. فلما فرغت لبابة من حديثها نادى عمرو «يا غلام» فجاء فأمره أن يسوق قطاما وعجوزها إلى غرفة يسجنهما فيها.

الفصل الثاني والمائة

العفو العام

فلما خرجت قطام ولبابة من المكان عاد السكوت إلى الجلسة وكل في مكانه وعمرو غارق في بحار التأمل فكر في خولة وشهامتها وصدق مودتها فرأى أنها إذا كانت على دعوته لا يخشى ضرها بل قد تكون أكبر عون له إذ يندر مثلها بين النساء وغلب على اعتقاده أنها بعد مقتل الإمام علي لم يبق لها سبيل لنصرته فتفضل أن تكتسب رضاء عمرو. وخصوصا إذا عفا عنها وعن زوجها عبد الله.

وبعد السكون هنيهة خاطبها قائلا «والآن ما قولك يا خوله ما الذي نفعله بك».

قالت «لا أبالي يا مولاي بعد أن بسطت لك الحق أن تفعل بي ما تفعله. فقد صدقتك القول بصراحة لا أظن أحد يتجرأ على مثلها. فإذا أمرت بقتلي فإن لا أزيد عدد الموتى ولا أقلل عدد الأحياء. ولا فائدة من بقائي ولا ضرر من مماتي وقد قلت لك في أول حديثي أنه قد قتل واندرج تحت التراب من لا أقاس بأنملة من أنامله. فهل أنا أفضل من أبي بكر وعمر وعثمان أم أنا خير من ابن عم الرسول (

صلى الله عليه وسلم ) فإذا شئت اقتلني وأرحني من حياة لا عدل فيها ولا حق ... ولكنني أطلب إليك إذا قتلتني أن لا تعفو عن تلك الخائنة الغادرة» قالت ذلك ودمعت عيناها.

فتأثر عمرو من صدق لهجتها وثبات جأشها فقال لها «وإذا عفوت عنك» قالت «وإذا عفوت فالعفو من شيم الكرام وتكون حياتي هبة من عندك».

فتقدم عبد الله للحال وجثا بين يدي عمرو قال «أرغب إلى مولاي كما وهبني حياتي أن يهبني حياة هذا الملاك الطاهر فنكون كلانا هبة من فضله».

Bog aan la aqoon