Ninkii Aan Dhaqaaqi Karin

Hitaayrus d. 1450 AH
24

Ninkii Aan Dhaqaaqi Karin

الرجل الذي لا يمكن تحريكه

Noocyada

ثم حملوني إلى مكان آخر، وجعلوني أخدمهم خير خدمة، وما تكاسلت في فعل شيء، إلا وعادوا إلى تأديبي بالضرب والجلد، يفعلون ذلك حتى يخر ما في من قوة، فيبلغون الروح بسياطهم، ولم أر في حياتي عذابا كعذابهم لي، وبقيت على تلك الحال عددا من السنين أجهله، وما كنت أعلم أنني أكبر في العبودية، إلا بعد سقوط شعري، أو إحساسي بالتعب وأنا لم أعرف له طعما من قبل، أو نسياني لما توجب علي ألا أنساه. وبعد مدة قتلوا ذلك الرجل بداخلي؛ قتلوا محمدا العلاوي، وأنشئوا زنيما العبد القادم من الشمال، ثم نسيت حريتي، نسيت أن لي عائلة، نسيت كل شيء، كانوا يقررون ما أفعل، ما آكل وما ألبس، كانوا يختارون وقت راحتي ووقت عملي، وأصبحوا الملك الذي يجب أن أخشاه، جعلوني أنسى الرب فوقهم جميعا، نسيت إله الفرنسيين ونسيت إله العرب، ثم تذكرت فجأة زوجتي، تذكرت عائلتي، وكنت أتخيلها كل ليلة، كنت أشيخ في الصباح، ثم أنتظر الليل، لأعود صبيا من جديد، أنسى أنني عبد شيخ، أنسى أنني زنيم، أراها ليلا فتاة شابة، وأرى مدخل منزلي الطوبي، هي لم تكبر أبدا في اعتقادي، وتصورت دوما أنني عندما أصير طليقا، يوما ما، فإنني سأتوجه إليها، فأجدها شابة تنتظرني عند المدخل، سأركض نحوها وأنا أصير أثناء ركضي شابا من جديد، أنني سأعود كاليوم الذي اعتقلوني فيه، كانوا قد قتلوا المنطق الذي أعيش به، جعلوا حياتي مجرد كابوس طفل مرعب، حلم لا يمكنني الاستيقاظ منه، وأمضيت ما تبقى من حياتي كعبد اسمه زنيم.

القسم الخامس

ثم توقف العربي عن الكلام وتوقف النادل بدوره عن الترجمة. التفت إلي النادل وقال لي: هل تصدق أنه يمكن أن يحدث هذا لشخص ما، وأنا اعتقدت أنه مجرد مجنون يملك بعض المال؟

كانت حكايته قد دفعتني إلى الصمت، لم يكن بمقدوري أن أتكلم، كل ما فعلته هو أنني نظرت إليه بعينين ذابلتين مدة ثم قلت للنادل: قل له إنني أشعر بالأسف لما حدث معه.

مع أنني أعلم أن قولي هذا لا يعني بالضرورة أنني كذلك، فلن أوفيه من الأسف حقه مهما فعلت، وجلست أنظر إلى كل مكان من حولنا وفكرت: «هل هذا ما أقام مجد البشرية؟»

وكان من المؤكد أن ما حدث له، أو ما حدث قبل آلاف السنين، أو حتى ما سيحدث من القصص الغريبة بعد هذا العصر، كل هذا شارك وسيستمر في بناء هذه الحضارة التي تناشد البشر بالحرية والأخوة والمساواة؛ المساواة التي يمنحونها لي وليس لهذا المشرد العربي، الأخوة التي شعر بها مع ذلك السيد الفرنسي، وفي مكان لا يعرف الأخوة، بينما لم يشعر بها حينما عذبه بنو جلدته، الحرية التي سلبوها منه باسم إله يتبرأ منهم، إله آمنوا به لأنه يحمي أسس الحرية ويصونها على خلاف من آمن به. ثم دنوت من النادل وقلت له: اسأله كيف تمكن من الحصول على حريته. - على الأرجح هو فر منهم. - سيدي أنت لم تصغ جيدا، فقط اسأله كيف أصبح حرا.

وباشر النادل الترجمة بعد طرحه للسؤال. - كان ذلك قبل مدة، التقى الشيخ مبارك بجماعة من الفرنسيين، كان قد جلس معهم رفقة رجال من العرب، خمسة فرنسيين وامرأة ترافقهم، وبلغ العرب من القرى ستة عشر رجلا، حضروا الجلسة حتى إن بعض الأطفال كانوا على بعد يراقبون الاجتماع المهم. كان الفرنسيون بحاجة إلى التزود ببعض المؤن لرحلتهم، وقد طلب مني حمل أشيائهم رفقة بعض العبيد ممن يملكهم مبارك، وقد بدوت عاجزا بعض الشيء، فأنا قد كبرت على حمل الأشياء، وتأسف الفرنسيون على ذلك، حتى إنهم طلبوا من مبارك أن يتركني لأعد الشاي لهم فقط، وقد لبثت أخدمهم حتى تقربت مني المرأة الفرنسية، تعجب بشجاعتي، ترى بداخلي السعادة التي نسيتها، ترى الأمل الذي فقده الآخرون، وكانت تقول لي بينما جلس معنا مترجمها. - هل لك زوجة تنتظرك في الديار (تمسك بكأس الشاي بكلتا يديها ). - مولاتي، أنا لا يجب أن أحدثكم (قدمت الشاي للمترجم)، سأموت إن فعلت ذلك (ترجم المترجم كلامي للفرنسية). - أخبره ما يلي: لا تقلق، فإن مبارك صديقنا، وصداقتنا أهم من حديثي إليك بالنسبة له.

نظرت إلى المترجم، ثم فكرت وأنا أراقبها، أضافت على لسانه: إذن هل لك عائلة، اسمك «زنيم»، هذا اسمك؟ - أجل مولاتي. - وهل هي تنتظرك (ابتسمت لي). - لا أعتقد أنه يهم ذلك، أعتقد أنني شخص لا يجب انتظاره.

أخذت وقتا لتفهم ترجمة المترجم، ثم أشارت بيديها لي لأطمئن. - ربما ستتغير الأمور.

ووعدتني المرأة أن تساعدني، فقد أخبرتها حكايتي تلك الأمسية، كنت أجالسها والفرنسيين ليلا، أطبخ لهم بعضا من الخبز والشاي، وأخدمهم خير خدمة، وقد طلب مني الشيخ مبارك أن أفعل ذلك، وأعتقد أن السيدة الفرنسية قد طلبت منه ذلك، كان يود أن يتحصل منهم على صفقة؛ تزويد رجاله بالذخيرة أمر مهم له، لذا كان قد طلب منهم البقاء لليال أخرى، فيحصلون على المؤن ويزودون بالماء ثم يغادرون بعدها، وقد سألت السيدة عنهم: ألا تخشونهم؟ إنهم ثوار.

Bog aan la aqoon