Rahmaan iyo Shaydaan
الرحمن والشيطان: الثنوية الكونية ولاهوت التاريخ في الديانات المشرقية
Noocyada
الكاثارية
انتشر في أرمينيا في وقت مبكر، شكل من المسيحية غير الأرثوذكسية، على يد مبشر يهودي مسيحي قدم من أورشليم يدعى عاديا، الذي بشر بعقيدة تقول بأن المسيح ليس ابن الله، بل هو كائن بشري تبناه الله وجعل منه ابنا له. ثم تطور ضمن هذه العقيدة تنويع آخر يقول بوجود إلهين أعليين لا إله واحد، الأول هو الآب السماوي الأعلى، والثاني هو خالق هذا العالم. وعندما تأسست الكنيسة الكاثوليكية عام 302م وصارت كنيسة رسمية للدولة، تم تصنيف هذه المسيحية الأرمنية في زمرة الهرطقات الكبرى. وبمرور الوقت وازدياد ملاحقة واضطهاد الفرق الغنوصية والمرقيونية، توافد إلى أرمينيا عدد كبير من أتباع هذه الفرق هربا بعقائدهم، وشكلوا تدريجيا، مع أتباع عقيدة التبني، مذهبا ذا مسحة غنوصية مسيحية عرف بالمذهب البولسي. إلا أن أباطرة بيزنطة تابعوا الضغط على هذه الجماعات وعملوا على تشريدها وتهجيرها، فنزح فريق منهم إلى البلقان وبلغاريا، وهناك تلاقحت أفكارهم مع أفكار جماعات محلية غير أرثوذكسية، ونجم عن ذلك مذهب قوي آخر عرف بمذهب البوجوميل.
يقول البوجوميل بثنوية معتدلة لا تجعل من الشيطان إلها مستقلا، بل تجعله ابنا لله خرج على طاعته وعصاه. فهم يؤمنون بإله واحد أعلى هو الإله المسيحي الطيب صانع كل ما هو خير وحسن، ويعتقدون بأن هذا الإله الطيب قد أنجب ابنه البكر لوسيفر، الذي يعني اسمه «حامل الضياء» نظرا لشدة بريقه ولمعانه، إلا أن لوسيفر هذا عصى أباه وسقط من المستوى الروحاني الأعلى بمحض إرادته الحرة التي وهبه إياها أبوه، وصار اسمه ساتانا-إيل، أي الشيطان. والبوجوميل، إذ يتبنون قصة التكوين التوراتية، فإنهم يعزونها إلى الشيطان لا إلى الله. فقد خلق الشيطان بعد عصيانه السماوات والأرض، انطلاقا من المادة القديمة المتمثلة بالمياه الأولى التي كان روح الله يرف فوقها.
مع حلول القرن العاشر الميلادي كان البوجوميل قد وطدوا أنفسهم في أوربا الوسطى، ثم بدأوا بهجوم عقائدي معاكس على مناطق بيزنطة، فكان لهم جماعات سرية في كل مكان تقريبا من آسيا الصغرى والمناطق الأخرى للإمبراطورية البيزنطية، ثم توجهوا نحو شمال إيطاليا حيث شكلت جماعات قوية منهم كنيسة جديدة خلال القرن الحادي عشر دعيت بالكنيسة الكاثارية كان للمانوية تأثير كبير على عقائدها. ومن إيطاليا انتشرت الكاثارية غربا وتوطنت بشكل خاص في الجنوب الفرنسي، حيث عاشت في حرية مطلقة وصنعت ثقافة راقية تعد من أرفع ثقافات العصور الوسطى الأوربية.
من بين الفرق الغنوصية التي عبرت المحن وعاشت حتى القرون الوسطى، كانت الفرقة الكاثارية أكثرها نجاحا وانتشارا، وأشدها خطورة على الكنيسة الرسمية من أية هرطقة أخرى. تركز الكاثاريون بشكل خاص في مقاطعة Lanuedoc في الجنوب الفرنسي، فيما بين مدينة بوردو شمالا وسفوح البيرينيه على حدود إسبانيا جنوبا، ولم تكن هذه المقاطعة في مطلع القرن الثاني عشر جزءا من فرنسا، بل منطقة مستقلة بلغتها وثقافتها ونظامها السياسي، يحكمها عدد من الأسر النبيلة برئاسة كونت تولوز وعائلة ترانسفال القوية. ضمن هذه المنطقة الواسعة التي تضم عشرات المدن من بينها ألبين ومونبلييه وتولوز ومرسيليا، نشأت ثقافة كثارية متميزة كانت الأكثر تطورا في الغرب المسيحي بعد بيزنطة. فقد انتشر فيها التعليم، ونشطت التيارات الفكرية والفلسفية المختلفة، وعلا شأن الشعر والشعراء، وتعلم الطلاب اللغات اليونانية واللاتينية والعربية والعبرية، وتأسست مدارس للفكر الصوفي الإيزوتيري مثل القابالا وغيرها. وكان النبلاء يرعون هذه النشاطات ويشاركون فيها، في الوقت الذي لم يكن فيه نبلاء الشمال قادرين على كتابة أسمائهم. ونظرا لقرب المنطقة من مركز الإشعاع الحضاري في الأندلس، فقد جاءتها تأثيرات عربية مباشرة، سواء عن طريق الموانئ التجارية أم عبر جبال البيرينيه.
دعيت هذه الهرطقة الوسيطية بالكاثارية
Gatharism
نسبة إلى
Cathari
التي تعني نقي أو طهور، كما دعيت بالألبينية نسبة إلى مدينة ألبين
Bog aan la aqoon