Rahmaan iyo Shaydaan
الرحمن والشيطان: الثنوية الكونية ولاهوت التاريخ في الديانات المشرقية
Noocyada
لقد خرج آدم من يد الخالق إنسانا تام التكوين في العشرين من عمره، كاملا في مواصفاته الجسدية والخلقية، فأسكنه الرب في الجنة التي غرسها في عدن شرقا ليحفظها ويرعاها، لا بواسطة عمله الجسدي، بل من خلال دراسته للتوراة والتزامه وصايا ربه الأخلاقية، ولكي يثبت الرب لملائكته تفوق آدم عليهم، فقد جمع حيوانات الأرض وعرضها عليهم زوجا زوجا، لينبئوه بأسمائها ولكنهم عجزوا، ثم عرضها على آدم بعد أن علمه أسماءها وحيا، فسماها آدم بأسمائها. فلقد كان آدم نبيا وحكمته من حكمة الأنبياء. ونلاحظ هنا الإضافة المتميزة التي قدمها كاتب النص، والتي تتمثل في عنصرين: الأول تحدي الرب للملائكة أن ينبئوه بأسماء كائنات الأرض، والثاني تعليمه الأسماء لآدم وحيا قبل أن يدعوه إلى عرض علمه على الملائكة وإثبات تفوقه عليهم. وهذان العنصران غائبان عن القصة التوراتية، حيث نقرأ في سفر التكوين، 2: 19-20: «وجبل الرب الإله من الأرض كل حيوانات البرية وكل طيور السماء، فأحضرها إلى آدم ليرى ماذا يدعوها، وكل ما دعا به آدم ذات نفس حية فهو اسمها. فدعا آدم بأسماء جميع البهائم وطيور السماء وجميع حيوانات البرية.»
عقب ذلك أمر الرب كل الملائكة أن يسجدوا لآدم فعلوا وعلى رأسهم ميخائيل، الذي كان أول الساجدين لكي يضرب مثلا للآخرين في الطاعة والخضوع للأمر الإلهي. ولكن الملاك الرئيس ساتان الذي أضمر الغيرة والحسد لآدم، رفض السجود قائلا: لقد خلقتنا من ألقك وبهائك فكيف تأمرنا أن ننطرح أمام من خلقته من تراب الأرض. فأجابه الرب: ومع ذلك فإن تراب الأرض هذا يفوقك حكمة وفهما. وهنا تدخل ميخائيل وحث ساتان على الانصياع قائلا: إذا لم تبجل آدم وتخضع له، عليك أن تتحمل عواقب غضب الرب. فأجابه ساتان: إذا صب غضبه علي سأرفع عرشي فوق نجوم السماء وأغدو ندا للعلي. لما سمع الرب ذلك منه أمسك به ورماه خارج دائرة السماء فهوى باتجاه الأرض، وتبعه حشد كبير من الملائكة الذين شجعهم تمرده على إظهار ما كتموه في أنفسهم من حسد لآدم ورفض لسموه عليهم، ومنذ تلك اللحظة صارت عداوة بين الشيطان والإنسان.
يتابع الرب خطته في خلق الجنس البشري، فقد رمى سباتا على آدم وأخذ من أضلاعه واحدا صنع منه المرأة حواء. وكان لآدم وجهان قبل خلق المرأة فأعطى الرب واحدا للمرأة وترك له الآخر، ثم قال لهما أن يأكلا من كل شجر الجنة عدا شجرة المعرفة لأنهما يوم يأكلان منها أو حتى يمسانها يموتان. وكانت شجرة المعرفة تحجب الطريق إلى شجرة الحياة القائمة في وسط الفردوس. وكان الأفعوان، أمير حيوانات البرية، صاحب حيلة وذكاء ودهاء وكان يمشي على ساقين منتصب القامة مثل الإنسان، ويماثله في كثير من خصائصه وصفاته . فحسد الأفعوان الإنسان وتمنى موته، فتسلل إلى الجنة واقترب من المرأة التي كانت تتمشى عند شجرة المعرفة وقال لها: أحقا قال الرب لا تأكلا من هذه الشجرة ولا تمساها كي لا تموتا؟ فقالت: نعم. فدفعها الأفعوان إلى جذع الشجرة فتمسكت به، وقال: لقد مسست الشجرة ولم يصبك ضر كذلك الأكل منها، لقد أكل الرب من ثمر هذه الشجرة قبل أن يخلق العالم، ولذا قد حرمها عليكما حتى لا تعمدا إلى خلق عوالم أخرى وتصيرا مثل الآلهة، ثم مد يده وأكل وأعطى المرأة فأكلت ثم مضت إلى زوجها فأطعمته وهو لا يدري أنه قد تناول من الشجرة المحرمة.
يتابع النص بعد ذلك سرد تنويعاته الخاصة على خاتمة القصة التوراتية، التي تتضمن عقاب الإنسان وطرده إلى الأرض التي جبل منها ليتعب فيها ويكد ويأكل بعرق جبينه، حتى يحين موعد اليوم الذي يقدم فيه كشفا كاملا بأعماله أمام خالقه. وقد جرى طرد آدم من الفردوس بعد اثنتي عشرة ساعة من خلقه، في الساعة الأولى من النهار السادس عزم الرب على خلق الإنسان. وفي الثانية تشاور مع ملائكته في الأمر. وفي الثالثة قبض أربع قبضات من تراب الأرض. وفي الرابعة عجن الطين وشكله جسدا. وفي الخامسة كسا الجسد جلدا، وفي السادسة اكتمل آدم جسدا بلا روح. وفي السابعة نفخ في أنفه من روحه. وفي الثامنة أسكنه الجنة. وفي التاسعة أمره ألا يقرب الشجرة. وفي العاشرة عصى أمر ربه. وفي الحادية عشرة حاكمه. وفي الثانية عشرة طرده إلى الأرض.
خلاصة
لا ينتظم الفكر المنحول ضمن رؤية أيديولوجية واحدة، فنحن هنا ما زلنا في فترة مخاض للفكر التجديدي قدم من خلالها كل مؤلف رؤياه الخاصة لجانب من جوانب التجديد لم ترق إلى مستوى تكوين رؤيا عامة متماسكة تطال كل ناحية من نواحي العقيدة. من هنا فقد تفاوتت المواقف بين الالتزام بالخطوط العامة للأيديولوجيا الرسمية، وبين الخروج عليها وتجاوزها نحو الآفاق الشمولية للثقافة الهلينستية السائدة في المنطقة. ورغم أننا لم نقدم في هذا الفصل إلا غيضا من فيض الفكر المنحول،
26
إلا أن أمثلتنا المنتقاة كانت كافية على ما نرجو لإعطاء فكرة عن مضمونه وتوجهاته العامة، لا سيما فيما يتعلق بالاتجاه الراديكالي الذي تجاهلته اليهودية التلمودية، وكان له بالمقابل أثر كبير على تشكيل الفكر المسيحي.
لقد ميز الفكر المنحول نفسه عن الأيديولوجيا التقليدية عندما أدخل فكرة الشيطان الكوني على الرؤيا التوراتية للتاريخ. ذلك أن الشيطان المجسد لمبدأ الشر هو الذي يعطي الإله الأوحد صفة الخير المحض، والخير المحض لا يمكن أن ينتج الشر أو يكون مسئولا عن وجوده. فالاتجاه الراديكالي في الفكر الجديد ينسج على منوال الفكر الزرادشتي في تصوره للشر على أنه نتاج للحرية التي زرعها الله في خلقه من الملائكة والناس، فلقد قادت الحرية إلى عصيان إبليس عن سابق قصد وتصميم ومعرفة بعواقب العصيان، كما قادت الإنسان الأول إلى الخطأ عن غفلة منه وسذاجة. ولسوف يتابع إبليس عصيانه المتعمد إلى آخر الأزمان، ويمتحن الإنسان في عالم تتداوله قوة الشيطان المدمرة ويد الرحمن الممدودة دوما للرحمة والخلاص.
هذه الجدلية بين الرحمن والشيطان على مستوى الكون، وما يتصل بها من جدلية الخير والشر في النفوس الواعية، ما إن تتأسس في الأيديولوجيا الدينية حتى تنتقل بها من مفهوم التاريخ المفتوح إلى مفهوم التاريخ الدينامي. فالرحمن الذي سمح بوجود الشر لأنه أراد الحرية لخلقه، لن يكون راضيا عنه بل سيجهد للقضاء عليه ضمن مخططه الأصلي القائم على الحرية. سوف يتابع الشيطان خياره البدئي دون تدخل من الرحمن القادر على محقه متى شاء، أما الإنسان فسيتابع مسيرته الحرة دون خيار بدئي، لأنه لا يخطئ عن عمد وقصد في معارضة المشيئة الإلهية مثلما فعل الشيطان، بل عن جهل منه وحسن نية، وهو قادر دوما على إتيان الخير ومقاومة الشر. هذا الصراع على المستوى الميتافيزيكي وعلى مستوى الحياة النفسية والمجتمعية، سوف يقود الزمن إلى نهايته التي ستشهد اندحار الشيطان بعد أن تطغى عناصر الخير على عناصر الشر عبر الفترة الوسيطة من التاريخ، ويعود الوجود المادي والإنسان إلى حالة الكمال الأولى. إن المخلص المنتظر ليس إلا صورة عن ضمير الجماعة الإنسانية بأسرها، وليس انتصاره على الشيطان في آخر الأزمان إلا تعبيرا عن نجاح الإنسانية في تنقية نفسها واستعادة صورة آدم قبل سقوطه وانقياده للشيطان. إن ظهور الرب نفسه كمخلص على هيئة إنسان، أو إرساله للمسيا الذي أعده للمهمة منذ البدء، في هيئة إنسان، هو دلالة رمزية سيكولوجية تفيض بالرغبة في انتصار الروح الإنسانية وبلوغها كمال البدايات. لهذا يدعى المسيا المخلص بابن الإنسان مثلما يدعى بابن الله أيضا، فهو الإنسان الكامل، والمثال الآدمي الأسمى الذي بقي أمينا لجوهره كأعلى المخلوقات مرتبة. وبنوته لله مثل بنوة آدم، كلاهما من روح الخالق. ولكن بينما ترتب على آدم أن يعاني وطأة التاريخ وجوره ليطهر نفسه من عناصر الشر، فإن نموذجه الكامل قد بقي مع الله في كمال البدايات، في انتظار الساعة التي يصل فيها الزمن إلى النهايات.
Bog aan la aqoon