Rahmaan iyo Shaydaan
الرحمن والشيطان: الثنوية الكونية ولاهوت التاريخ في الديانات المشرقية
Noocyada
في الرؤيا الرابعة يجد عزرا امرأة في حلة الحداد، تندب وتبكي ابنها الوحيد الذي اختطفه الموت في ليلة عرسه، وبينما عزرا يعزيها ويخفف من أحزانها، أضاء وجهها ببريق عجيب وأطلقت صرخة عالية اختفت على أثرها، وظهرت في مكانها مدينة مشيدة وضاءة هي أورشليم في يوم الخلاص.
في الرؤيا الخامسة يصعد إلى كبد السماء نسر جبار يبسط جناحيه على العالم ويتحكم به، ولكن مخلوقا يشبه الأسد يظهر من الغابة ويتصدى له، فيحترق النسر ويتهاوى على الأرض. يمثل النسر في هذه الرؤيا الإمبراطورية الرومانية، ويمثل الأسد مسيح الرب الذي سيسحق هذه الإمبراطورية. وفي الرؤيا السادسة نجد مسيح الرب هذا طالعا من وسط البحر: «بعد سبعة أيام عرضت لي رؤيا جديدة وأنا نائم في الليل، هبت من البحر ريح عاصفة دفعت أمامها كل أمواجه، فنظرت ورأيت من قلب الريح شكل إنسان يطلع من وسط البحر، ثم نظرت ورأيت ذلك الإنسان يطير مع الغيوم في الأعالي، وأينما أدار وجهه حدثت رجة ورجفة، وكلما هدر صوته ذاب سامعوه مثلما يذوب الشمع الساخن، ثم رأيت حشودا تهب من جهات الرياح الأربع لتقاتل الرجل الطالع من البحر، ولكنه اقتطع جبلا عظيما بيديه وقذفه عليهم، فتملك الذعر تلك الحشود التي تجمعت للقتال، ولكنها عزمت على الهجوم. فلما رأى اقترابها منه لم يرفع يدا ولم يمسك حربة أو سلاحا، ولكنه أطلق من فمه زفيرا ناريا ومن لسانه عاصفة من الشرار، فامتزج الاثنان في تيار ملتهب انصب على الحشود المهاجمة، فأتت عليهم جميعا ولم يبق في مكان تجمعاتهم سوى الغبار والرماد وروائح الدخان، دهشت لذلك كله، ثم رأيت الرجل يهبط من الجبل ويدعو إليه حشدا آخر هادئا ومسالما، فتقاطر إليه أناس بعضهم فرح وبعضهم حزين وبعضهم يرسف في الأغلال.»
يطلب عزرا تفسير رؤياه فيأتيه الجواب: «إن الرجل الذي رأيته طالعا من البحر هو الذي أخفاه العلي عصورا عديدة، والذي به سيخلص خليقته ويقود من بقي منها. أما عن التيار الناري الذي يخرج من فمه ، وعدم حمله لحربة أو سلاح، وتدميره مع ذلك للحشود التي تجمعت لقتاله، فإليك بيان ذلك: سوف يأتي يوم أعده العلي لتخليص سكان الأرض، ولكن سكان الأرض يتبلبلون ويقومون لقتال بعضهم، مدينة ضد مدينة، وقطر ضد قطر، وشعب ضد شعب، عندما يحصل ذلك وتظهر العلامات التي أخبرتك بها سابقا، سيظهر ابني، مثلما رأيته، في هيئة رجل يخرج من البحر، عندها سيترك الجميع قتال بعضهم ويتجمعون لقتاله، ولكنه سوف يقف على ذروة جبل صهيون ويوبخ الأمم المحتشدة على سوء فعالها، فتأتي كلماته على شكل تيار ناري ويعذبهم بما يستحقون، ثم يدمرهم بلا جهد بواسطة الشريعة التي هي مثل النار. أما الحشد المسالم الذي رأيت الرجل يدعوه ويجمعه إليه، فإنهم الأسباط العشرة التي سبيت وأخرجت من ديارها من قبل الملك الآشوري شلمنصر، في أيام ملكها هوشع.» بعد ذلك يسأل عزرا عن مغزى طلوع الرجل من البحر فيأتيه جواب العلي: «كما أنه لا أحد يستطيع أن يكتنه ما في أعماق البحر، كذلك لا أحد على الأرض يستطيع رؤية ابني ومن برفقته إلا عندما يأتي وقته ويومه.» (2-1) كتاب اليوبيليات
اليوبيليات، أو الخمسينيات، هو كتاب منحول مطول، يعيد سرد سفر التكوين والأجزاء الأولى من سفر الخروج بأسلوب مختلف، فهو يكثف ويختصر في بعض المواضع، ويسهب في أخرى بداعي الشرح والتوضيح، ويضيف أحيانا، أو يعيد صياغة بعض الأحداث صياغة جديدة. أما عن تاريخ التأليف واللغة الأصلية للكتاب، فإن العثور على جزء منه بين نصوص قمران باللغة العبرية يرجح أن لغته الأصلية هي العبرية، وأنه كتب في القرن الأول قبل الميلاد على ما يدل عليه نوع الخط العبري المستخدم في كتابته. لدينا أجزاء لا بأس بها من هذا الكتاب مترجمة إلى اللاتينية، ولكن النص الكامل متوفر باللغة الإثيوبية التي نقل إليها بين القرن الرابع والقرن السادس الميلاديين، أي خلال الفترة التي تمت خلالها ترجمة أسفار التوراة إلى تلك اللغة، والكنيسة الإثيوبية هي الوحيدة التي تعترف بقانونية هذا السفر. أما عن تسمية الكتاب فمستمدة من تقسيم الزمن في النص إلى وحدات خمسينية تتألف كل وحدة من 49 سنة، وذلك منذ اليوم الأول للتكوين وحتى يوم الدينونة الذي سيأتي بعد 4900 سنة، أي 10 خمسينية مضروبة ب 49 سنة.
لا يركز كاتب اليوبيليات على المسائل اللاهوتية المتعلقة بنهاية الزمن ومملكة المسيح والحياة الأخرى، ولا يأتي ذكر هذه المسائل إلا بشكل مقتضب وفي سياق تذكير إسرائيل بتقوى الرب وإعادة عقد الصلة معه، ولكنه بالمقابل يركز على المسائل اللاهوتية المتعلقة بعالم الملائكة وعالم الشياطين. فقد خلق الرب الملائكة في اليوم الأول من أيام التكوين مع خلق السماء والأرض، وجعلهم في مراتب وطبقات، ففي قمة هرم الملائكة لدينا طبقة ملائكة الوجه
، وطبقة ملائكة التقديس وهم المحيطون بالعلي على الدوام، يليهم الطبقات ذات المهام المحددة، فهناك ملائكة للريح وملائكة للغيوم وملائكة للبروق والرعود وما إلى ذلك من الوظائف والظواهر الطبيعانية والكونية، كما تتوسط الملائكة بين الرب وعالم البشر، فمنهم من ينقل أوامره وتعاليمه إليهم، ومن يختبرهم ومن ينقل التقارير عن خطاياهم، ومن يسهر على أحوال الأرض ويتابع شئونها ... إلخ.
وعندما أخذ البشر يتكاثرون على وجه الأرض وولد لهم بنات، رأى فريق من الملائكة الساهرين أن بنات الناس حسنات، فرغبوا بهن وتخلوا عن طبيعتهم الروحانية واتخذوا لهم زوجات من البشر، فأنجبت النساء أولادا عمالقة أفسدوا في الأرض حتى عم الشر كل الكائنات الحية من الإنسان إلى الحيوان وكل ما يمشي على الأرض. وبذلك يحل مؤلف الكتاب مشكلة وجود الشر في العالم بطريقة تختلف عن مؤلف سفر عزرا الرابع. فالشر عند عزرا ينبع من الإنسان لا من قوة خارجة عنه، أما في اليوبيليات فإن الشر يأتي من قوة ما ورائية طاغية، وما الإنسان إلا ضحية لهذه القوة بسبب ضعفه في مواجهتها. لقد تحول فريق من أهل السماء المقدسين إلى شياطين ملعونين، وأخذوا يستخدمون قواهم الأصلية لدفع الإنسان في طرق الغي والضلال، بعد أن أدار العلي وجهه عنهم وتحول بريقهم الملائكي إلى سواد وظلمة.
ولكن الرب رغم عدم مسئوليته عن ظهور الشر، إلا أنه يسمح به بعد ظهوره. فلقد أفنى الرب نسل الإنسان وكل ذي روح على الأرض بطوفان عظيم بعد أن كثر شرهم إلا نوحا ومن معه، وكان الأحرى به أن يفني الشياطين التي أصل الشر، ولكن حكمة العلي، كما يعيد ويكرر مؤلفو هذه الأسفار، خفية على أفهام البشر، ولذلك فقد نشطت قوى البشر مجددا بعد أن تكاثر نسل نوح، وصعد صوت البشر بالشكوى إلى السماء من تعديات الشياطين. وهنا يقوم اتفاق بين رئيس الشياطين المدعو مستيما وبين الرب، ويسمح للإبليس مستيما أن يمارس نشاطه جماعة من أتباعه، خلال مدة محدودة تنتهي في يوم القيامة والحساب، ولكنه بالمقابل يأمر الملائكة أن يعلموا الإنسان طرق مقاومة أذى وشر الشياطين. نقرأ في الفصل العاشر من الكتاب المقطع الآتي:
14 «في الأسبوع الثالث من تلك الخمسينية، أخذ الشياطين المتمردون بتضليل نسل نوح ودفعهم للرذالات وإهلاكهم، فجاء أولاد نوح إلى أبيهم وحدثوه بأمر الشياطين التي تعمي وتضل وتهلك أحفاده، فصلى نوح إلى الرب إلهه وقال: يا إله الأرواح التي تقيم في كل جسد. أنت الذي رحمني وأنقذني مع أولادي من مياه الطوفان فلم أهلك مع أبناء اللعنة، لأن نعمتك علي كانت عظيمة ورحمتك واسعة على روحي. أسبغ نعمتك على أولادي ولا تدع للأرواح الشريرة عليهم سلطانا فيبيدونهم عن وجه الأرض. باركني وبارك أولادي لنكثر ونتزايد ونملأ الأرض. أنت تعلم ما فعله ملائكتك الساهرون آباء هذه الأرواح في أيامي «قبل الطوفان»، وما فعله من بقي من هذه الأرواح «بعد حملتك عليهم». فلتوقع بهم وتقودهم إلى مكان الحساب، ولا تتركهم يعيثون فسادا بين أبناء خادمك، لأنهم يا إلهي قساة وقد خلقوا لكي يدمروا، ولا تدع لهم سلطانا على نفوس الأحياء.» يستجيب الرب لصلاة نوح ويأمر فريقا من الملائكة بمطاردة الشياطين وتقييدهم، ولكن الإبليس مستيما رئيس الأرواح الشريرة يتوسط لدى الرب، ويطلب منه ألا يهلك الشياطين جميعا بل يترك له قسما منهم لكي يستطيع متابعة مهامه الشريرة، فيوافق الرب ويمهل مستيما ومن بقي معه من الشياطين إلى يوم الحساب الأخير: «فأمرنا الرب إلهنا
15
Bog aan la aqoon