فأجاب صوت تعرفه حق المعرفة: أنا يا مولاتي .. أتسمحين لي بالدخول؟
فقالت: تعالي يا شيث.
ودخلت الجارية على أطراف أصابعها، ودهشت لوقوف سيدتها، وأن سريرها لم يمس، وعاجلتها الغانية قائلة: ماذا وراءك يا شيث؟ - ورائي رجل ينتظر الإذن بالدخول.
فقطبت جبينها، وقالت بصوت ينطوي على الغضب: أي رجل! .. اطرديه دون تردد. - كيف يا مولاتي؟ .. إنه رجل لا يغلق دونه باب هذا القصر. - طاهو؟ - هو بعينه. - وما الذي جاء به في هذه الساعة المتأخرة من الليل؟
فلاحت في عيني الجارية نظرة ماكرة، وقالت: هذا ما سوف تعلمينه بعد حين يا مولاتي.
فأشارت لها بيدها أن تدعوه، وغابت الجارية لحظات، ثم لم يلبث أن ملأ فراغ الباب جسم القائد ذو الطول والعرض. وحياها بانحناءة من رأسه ووقف أمامها ينظر إلى وجهها بارتباك. ولم يخف عليها شحوب لونه، وتجعد جبينه، وظلمة عينيه، فأنكرته، وسارت إلى الديوان، وجلست عليه وسألته: أراك متعبا .. هل أجهدك العمل؟
فهز رأسه بالنفي، وقال باقتضاب: كلا. - لست كعهدي بك. - حقا؟! - لا شك أنك تعلم هذا .. ماذا بك؟
هو يعلم كل شيء بلا ريب، وستعلمه بعد حين سواء أداه إليها بنفسه أم لم يؤده. وهو يشفق من الإقدام على الكلام لأنه يغامر بسعادته، ويخشى أن تفلت من يده إلى الأبد. ولو أنه كان يستطيع أن يتسلط على إرادتها لهان كل شيء، ولكنه يكاد أن ييأس من هذا، فاستولى عليه ألم ممض وقال لها: آه يا رادوبيس! لو كنت تبادلينني الحب لأمكن أن أتوسل إليك باسم حبنا.
ترى ما حاجته إلى التوسل؟ .. عهدها به رجلا عنيفا يكره التوسل والرجاء، وطالما قنع بفتنة جسمها، فما الذي أفزعه؟! وخفضت عينيها وقالت: هذا حديث قديم معاد.
فأغضبه قولها على صدقه، واحتد قائلا: أعلم ذلك .. ولكني أعيده لدواع حاضرة .. آه! .. لكأن قلبك غار أجوف في قاع نهر بارد.
Bog aan la aqoon