ثم ابن المقفع فقد يعلم بتا يقينا، أن الناس لا يثبتون لشيطانه فعلا ولا عينا، فأي أمر أعمه عمها ؟! أو ضلالة أقل شبها ؟! من ضلالة دخلت بأهلها، في مثل هذا السبيل من جهلها ! فنعوذ بالله من خزي الأضاليل، ونعتصم به من لهو الأباطيل، والحمد لله رب العالمين، وصلى الله على محمد النبي وآله وسلم تسليما كثيرا طيبا مباركا فيه .
وأما ما بعد هذا من حشو كتابه، فإنا قصرنا - لضعفه - عن جوابه. ثم قال وتلعب في بعض كلامه، وجوز ما حكم به لنفسه من أحكامه: فقد يبصر المبصرون - زعم - أن من الأمور محمودا، وأن منها مذموما. فقال منها ولم يقل كلها، وسقط عنه بعضها وفضلها، وإذا كان لأيها كان بعض وكل، كان لكلها يقينا على بعضها فضل، وإذا ثبت بين النور التفاضل، ثبت لبعضه على بعض فضائل، وإذا كان النور فاضلا ومفضولا، فقد عاد النور بعد أصل أصولا، إذ الفاضل والمفضول اثنان، والفضل والنقص منهما شيئان، والفاضل فخير حالا، والمفضول أسفل سفالا، فكل جزأين من أجزائه، فهما خير من جزو، وكل عضو من أعضائه، فهو في الشر كعضو، وهما إذا اجتمعا، خير منهما إذا انقطعا، فمرة فيهما خير عند الاجتماع، ومرة فغيرهما خير منهما عند الانقطاع.
وكذلك أيضا فقد يدخل عليهم في الظلمة وتفاضلها، ما يصيرهم إلى أن شر البعض منهما أقل من شر كلها، إذ شر كلها أكثر من شر بعضها، وإذ الشر من أقلها ليس هو أكثر من شر كلها، فالنور في نفسه واسمه شر ضرار، ونافع شرار، وذلك أنه يقل والقلة عنده شر فيعود نوره ضرا، ويقصر عن قدر مبلغ كماله والتقصير عنده ضر فيعود ضرا، والظلمة فخير عندهم وشر، ونفع وضر، إذ قليلها مقصر في الشر، عن مبلغ كثيرها في مواقعه من الضر، وبعضها كذلك مع كلها، فرعها فيه ليس كأصلها.
Bogga 144