ثم إن هذا الأثر يقتضي أن إبراهيم اكتفى بعلم الربّ عن سؤاله، وهذا يقتضي (^١) أن العبد لا يسوغ (^٢) له الدعاء اكتفاءً بعلم الربِّ بحاله، وهذا خلاف ما حكاه الله عن إبراهيم، وخلاف ما اتفقت عليه الأنبياء. قال الله تعالى: ﴿(١٢٥) وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ اجْعَلْ هَذَا بَلَدًا آمِنًا وَارْزُقْ أَهْلَهُ مِنَ الثَّمَرَاتِ مَنْ آمَنَ مِنْهُمْ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ﴾ الآية إلى قوله: ﴿وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْرَاهِيمُ الْقَوَاعِدَ مِنَ الْبَيْتِ وَإِسْمَاعِيلُ رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (١٢٧) رَبَّنَا وَاجْعَلْنَا مُسْلِمَيْنِ لَكَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِنَا أُمَّةً مُسْلِمَةً لَكَ وَأَرِنَا مَنَاسِكَنَا وَتُبْ عَلَيْنَا إِنَّكَ أَنْتَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ (١٢٨) رَبَّنَا وَابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِكَ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُزَكِّيهِمْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ﴾ (^٣) [البقرة: ١٢٦ - ١٢٩]. فهذه دعوات (^٤) متعددة من إبراهيم، وقال تعالى عنه: ﴿وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ اجْعَلْ هَذَا الْبَلَدَ آمِنًا وَاجْنُبْنِي وَبَنِيَّ أَنْ نَعْبُدَ الْأَصْنَامَ (٣٥)﴾ إلى قوله: ﴿يَوْمَ يَقُومُ الْحِسَابُ﴾ [إبراهيم: ٣٥ - ٤١]، وقد ذكر الله تعالى عن الخليل أنه قال: ﴿فَابْتَغُوا عِنْدَ اللَّهِ الرِّزْقَ وَاعْبُدُوهُ وَاشْكُرُوا لَهُ﴾ [العنكبوت: ١٧]، ولم يقل: حَسْبُكم من ابتغاء الرزق عنده علمه بحالكم. ودعاؤه وسؤالُه مِن أعظم أنواع ابتغاء الرزق عنده (^٥).
وأدعية إبراهيم في القرآن كثيرة.