- 4 - الرد على الكندي الفيلسوف

بسم الله الرحمن الرحيم اللهم صل على سيدنا محمد وعلى آل محمد وعترته

1 -[ قال الكندي ] : اعلم ، أسعدك الله ( 1 ) ، أن أعلى الصناعات الإنسانية درجة ( 2 ) ، وأشرفها مرتبة ، صناعة الفلسفة ، التي حدها علم الأشياء بحقائقها بقدر طاقة الإنسان . ولا نجد ( 3 ) مطلوبا من الحق من غير علة ، وعلة كل شيء وثباته الحق ، لأن كل ماله إنية له حقيقة ، فالحق اضطرارا ( 4 ) موجود ، إذ الإنيات ( 5 ) موجودة .

2 - قال : وإنما نعلم كل معلوم إذا [ نحن ] أحطنا بعلم علته ، لأن كل علة إما أن تكون عنصرا ، وإما صورة ، وإما فاعلة ، أعني ما منه مبدأ الحركة ، وإما متممة ، أعني ما من أجله كان الشيء . والمطالب العامة ( 6 ) أربعة : هل ، وما ، [ وأي ] ، [ ولم ] ، فهل باحثة عن الانية ، وما فبحث عن الجنس في كل ما له جنس ؛ وأي فبحث عن الفصل ، وما وأي جميعا عن النوع ؛ ولم عن العلة التمامية . وبين أنا متى أحطنا بعلم عنصرها فقد أحطنا بعلم نوعها ، وفي علم النوع علم الفصل ، فإذا أحطنا بعلم العنصر والصورة والعلة التمامية ( 7 ) ، فقد أحطنا بعلم حدها ؛ وكل محدود فحقيقته في حده .

Bogga 363

3 - قال محمد : اختصار هذا ، أنا متى أحطنا بعلم الأصل أحطنا بعلم ما بعده .

4 - وذكر أهل الرياسة فقال : نصبوا كراسيهم المزورة التي نصبوها عن غير استحقاق بل للترؤس والتجارة بالدين ، وهم عدماء الدين ، لأن من تجر بشيء باعه ، ومن باع شيئا لم يكن له ، ومن تجر بالدين لم يكن له دين ، وحق ( 1 ) أن يتعرى من الدين من عاند قنية علم الأشياء بحقائقها وسماها وكفرا ، لأن في علم الأشياء بحقائقها علم الربوبية وعلم الوحدانية وعلم الفضيلة ( 2 ) ، [ وجملة ] علم كل نافع والسبيل إليه ، والبعد عن كل ضار والاحتراس منه ، واقتناء هذه جميعا هو الدين ( 3 ) الذي أتت به الرسل الصادقة عن الله جل ثناؤه ، فإن الرسل صلوات الله عليهم إنما أتت بالإقرار بربوبية الله تعالى وحده ، ولزوم القضايا المرتضاة عنده ، ورفض الرذائل المضادة للفضائل في ذاتها وعواقبها .

ما في الفن الثاني

| ما في الفن الثاني

5 - الوجود الإنساني وجودان : أحدهما : وجود الحواس الذي هو لجميع الحيوان معنا منذ نشوئه ، وهذا الوجود الذي ثبتت صورته في المصور ( 4 ) فأداها ( 5 ) الحس إلى الحفظ ، فتصور وتمثل في النفس ، والحس يباشرها بلا زمان ولا مؤونة ، والمحسوس كله ( 6 ) ذو هيولى فكله ذو جرم . والوجود الثاني أقرب من الطبيعة وأبعد عنا ، وهو وجود العقل . وبحق كان الوجود وجودين ، إذ الأشياء كلية وجزئية ، أعني بالكلية الأجناس ( 7 ) [ 93 ظ ] لكل الأنواع والأنواع لكل الأجناس ، والجزئية للأشخاص أجزاء من النوع ، والأنواع أجزاء من الجنس . فالأشخاص الجزئية الهيولانية واقعة تحت الحواس ، والأجناس والأنواع لا توجد إلا بقوة من قوى النفس التامة ، وتلك القوة هي العقل .

Bogga 364

6 - قال محمد : اختصار هذا أن الحواس تجد ( 1 ) الأشخاص وأن العقل يجد المعاني .

7 - قال : وكل متمثل نوعي جزئي ، وما فوق النوعي لا يتمثل للنفوس ، لأن المثل كلها [ محسوسة ] ، ولكنه مصدق ومحقق ، متيقن اضطرارا ، كقولك ( 2 ) هو لا هو غير صادقتين ( 3 ) في شيء بعينه . وهذا وجود للنفس لا يحتاج إلى متوسط ولا مثال له في النفس ، لأنه لا لون ولا صوت ولا رائحة ولا طعم ولا ملموس . ومثله لو قال لنا : إن جسم الكل ليس خارجا منه لا خلاء ولا ملاء ، وهذا لا يتمثل لأن ' لا خلاء ولا ملاء ' لم يدركه الحس ولا لحقته النفس ( 4 ) ، فيكون له فيها مثال ، وإنما هو شيء يجده العقل اضطرارا . فاحفظ ، حفظ الله عليك جميع الفضائل ، وصانك من جميع الرذائل ، هذه المقدمة لتكون لك دليلا قاصدا إلى الحقائق ( 5 ) ، فإن بهاتين السبيلين كان الحق من جهة سهلا ، ومن جهة عسرا ، لأن من طلب تمثيل ما لا يتمثل عشي عنه ، كعشا أعين الوطاوط عن درك ( 6 ) الأشخاص الواضحة لنا في شعاع الشمس .

8 - قال : والهيولى موضوعة الانفعال فهي متحركة ، والطبيعة علة أولية لكل متحرك وساكن .

9 - قال محمد : يقول فالطبيعة فوق الهيولى ، والهيولى هو حد التمثيل والإدراك بالحس ، فكيف يدرك ما فوقها بالتمثيل لا يدرك إلا بعلته وفي الطبيعة .

10 - [ قال ] : وعلم الطبيعة ( 7 ) علم كل متحرك ، فما فوق الطبيعة من المحدثات أيضا [ هو ] لا متحرك لأنه [ ليس ] يمكن أن يكون الشيء علة كونه ،

Bogga 365

فليس علة الحركة حركة ، ولا علة المتحرك متحركا ، فما فوق الطبيعة ( 1 ) ليس متحركا . وهذا القول صواب ، إن شاء الله ، لأنه ليس فوق الطبيعة من المحدثات إلا العدم ، والله عز وجل فوق الحركات والسكون ، لا تأخذه صفة حركة ولا سكون . فهذا صواب من الوجهين .

11 - قال : وقد ينبغي أن لا يطلب في إدراك كل مطلوب الوجود البرهاني ، لأنه ليس كل مطلوب عقلي موجودا بالبرهان ، لأنه ليس لكل شيء برهان ، إذ البرهان بعض الأشياء ( 2 ) ، ولو كان للبرهان برهان لكان هذا بلا نهاية ( 3 ) ولم يكن لشيء وجود بتة ، لأن ما لا ينتهي إلى علم أوائله فليس بمعلوم ، فلا يكون علم بتة [ 94 و ] .

12 - [ قال ] محمد : هذا كقوله لا ينبغي أن يطلب ما فوق الهيولي بالتمثيل . ونعم ما قال إن شاء الله ، لأن البرهان هو النور في نفس اللفظة ، فإدراك هو كإدراك البصر نور واضح لا يحتاج إلى برهان . فلو قال قائل : ما البرهان أن هذه السماء وهذه الأرض قيل له : لو أجبناك على ذلك ببرهان طلبت على البرهان برهانا إلى ما لا نهاية له ، ولكن هذا برهانه ، لأن ما ذهب في إدراك البرهان إلى إدراك الطبيعة وإدراك الحواس نسميه إقناعا .

13 - قال الكندي : فلا ينبغي أن يطلب الإقناع في العلوم الرياضية ، بل البرهان ، لأنا إن استعملنا الإقناع في العلم الرياضي كانت إحاطتنا به ظنية ( 4 ) .

14 - [ قال ] محمد : ثم خلط أنواع المطلوبات خلطا ما هو بمحصل لأنه قال : فلا يطلب في العلم الرياضي إقناع ، ولا في العلم الالإهي حس ولا تمثيل ، ولا في أوائل العلم الطبيعي الجوامع الفكرية ولا في الإقناعية ( 5 ) برهان ، ولا في أوائل البرهان برهانا .

Bogga 366

15 - أوائل العلم الطبيعي هو الهيولاني عنده الآن . والجوامع الفكرية عنده البرهان . وأوائل البرهان ما فوق الطبيعة والفطرة من أوائل الأمر بلا تعريف . وكيف يكون هذا محصلا والعلم الالإهي وأوائل الطبيعة واحد في الإدراك لا يتمثل ، فهلا جمعهما وقال : حسا ولا تمثيلا ؛ وفي الآخر الجوامع الفكرية ، والجوامع الفكرية هي المتمثلات ، وهو قد قال : كهو لا هو لا يدرك إلا اضطرارا .

16 - قال محمد : صحته عندي أن لا يطلب في العلم الرياضي علم الربوبية ؛ وما كان فوق الهيولى إقناعا ، ولكن اضطرارا ، ولا يطلب في أوائل البرهان ، وهو علم الحس ، برهان ، كما ذكرنا في أمر السماء والأرض .

Bogga 367

Usul - Qalabka Cilmi-baarista ee Qoraalada Islaamka

Usul.ai waxa uu u adeegaa in ka badan 8,000 qoraal oo Islaami ah oo ka socda corpus-ka OpenITI. Hadafkayagu waa inaan fududeyno akhrinta, raadinta, iyo cilmi-baarista qoraalada dhaqameed. Ku qor hoos si aad u hesho warbixinno bille ah oo ku saabsan shaqadayada.

© 2024 Hay'adda Usul.ai. Dhammaan xuquuqaha waa la ilaaliyay.