الأمة العثمانية
الأمة العثمانية إنما رقت (¬1) حالتها في الأزمنة المتأخرة بما دب في نفوس بعض عظمائها وأمرائها من وساوس الدهريين، فإن القواد الذين اجترحوا إثم الخيانة في الحرب الأخيرة بينها وبين الروسية، كانوا يذهبون مذهب النيتشرين «الدهريين» ، وبذلك كانوا يعدون أنفسهم من أرباب الأفكار الجديدة «أبناء العصر الجديد» (¬2) .
زعموا - بما كسبوا من أوهام الدهريين -: أن الإنسان حيوان كالحيوانات، لا يختلف عنها في أحكامها، وهذه الأخلاق والسجايا - التي عدوها فضائل - تخالف بجميعها سنن الطبيعة المطلقة الناتور، وإنما وضعها تحكم العقل، وزادها تطرف الفكر.
فعلى من بصر بالحقيقة - على زعم أولئك المارقين - أن يستنهج كل طريق إلى تحصيل شهواته، واستيفاء لذاته، ولا يأخذ نفسه بالحرمان من ملاذه، وقوفا عند خرافات القيود الواهنة، والموضوعات الإنسانية الواهية.
وحيث إن الفناء حتم على الأحياء، فما هو الشرف والحياء؟! وما هي الامانة، والصدق؟! وأي شيء هو العفة والاستقامة..؟!
ولهذا خان أولئك الأمراء ملتهم مع ما كان لهم من الرتب الجليلة، ورضوا بالدنية، واستناموا إلى الخسة، ونسفوا بيت الشرف العثماني في تلك الحرب وجلبوا المذلة على شعوبهم بعرض من الحطام قليل.
السوسياليست «الاجتماعيون» والنهيليست «العدميون»
والكمونيست «الشيوعيون»
هذه الطوائف تتفق في سلوك هذه الطريقة «الدهرية» ، زينوا ظواهرهم بدعوى أنهم سند الضعفاء، والمطالبون بحقوق المساكين والفقراء، وكل طائفة منها، وإن لونت وجه مقصدها بما يوهم مخالفته لمقصد الأخرى، إلا أن غاية ما يطلبون إنما هو رفع الامتيازات الإنسانية كافة، وإباحة الكل للكل، واشتراك الكل في الكل.
Bogga 7