الشعب الفرنسي
الشعب الفرنسي شعب كان قد تفرد بين الشعوب الأوربية بإحراز النصيب الأوفر من الأصول الستة، فرفع منار العلم، وجبر كسر الصناعة في قطعة أوربا بعد الرومانيين، وصار بذلك مشرقا للتمدن في سائر الممالك الغربية.
وبما أحرز الفرنسيون من تلك الأصول، كانت لهم الكلمة النافذة في دول الغرب إلى القرن الثامن عشر من الميلاد المسيحي، حتى ظهر فيهم «فولتير (¬1) » و«روسو (¬2) » يزعمان حماية العدل، ومغالبة الظلم، والقيام بإنارة الأفكار، وهداية العقول، فنبشا قبر أبيقور الكلبي، وأحييا ما بلي من عظام «الناتوراليسم» الدهريين، ونبذا كل تكليف ديني، وغرسا بذور الإباحة والاشتراك، وزعما أن الآداب الإلهية جعليات خرافية، كما زعما أن الأديان مخترعات أحدثها نقص العقل الإنساني، وجهر كلاهما بإنكار الالوهية، ورفع كل عقيرته بالتشنيع على الأنبياء - برأهم الله مما قالا - وكثيرا ما ألف «فولتير» من الكتب في تخطئة الأنبياء والسخرية بهم، والقدح في أنسابهم، وعيب ما جاؤوا به، فأخذت هذه الأباطيل من نفوس الفرنسيين، ونالت من عقولهم، فنبذوا الديانة العيسوية (¬3) ، ونفضوا منها أيديهم.
وبعد أن أغلقوا أبوابها، فتحوا على أنفسهم أبواب الشريعة المقدسة «في زعمهم» شريعة «الطبيعة» ، وزاد بهم الهوس في بعض أيامهم حتى حمل لفيفا من عامتهم، أن يتناولوا بنتا من ذوات الجمال فيهم، ويحملوها إلى محراب الكنيسة، ففعلوا، ونادى زعيم القوم: أيها الناس لا يأخذكم الفزع بعد اليوم من هدهدة الرعد، ولا التماع البرق، ولا تظنوا شيئا من ذلك تهديدا لكم من إله السماء، يرسله عليكم ليعظكم به، ويزعجكم عن مخالفته...
Bogga 5