الفصل الرابع
الأمم التي ظهر فيها الدهريون
اليونان:
شعب «الكريك» - وهم اليونانيون - كانوا قوما قليلي العدد، وبما ألهموا أورثوا من العقائد الثلاث، خصوصا عقيدة أن أمتهم أشرف الأمم، وبما أودعوا من الصفات الثلاث - خصوصا صفة الأنفة والإباء وهي عين الحياء - ثبتوا أحقابا (¬1) في مقاومة الأمة الفارسية، وهي تلك الأمة العظيمة، التي كانت تمتد من نواحي «كشغر» إلى ضواحي «استانبول» ، ذلك فوق ما بلغوه من الدرجات العالية في العلوم الرفيعة. وقد حملهم الخوف من الذل، والأنفة من العبودية، على الثبات في مواقف الأبطال، بل رسخ بهم ذلك ولا رسوخ الجبال؛ حذرا من الوقوع فيما لا يليق بأرباب الشرف، وأبناء المجد، حتى آل بهم الأمر أن تغلبوا على تلك الدولة العظيمة «دولة فارس» ، وهدموا أركانها، ومدوا أيديهم إلى الهند.
وكانت صفة الأمانة قد بلغت من نفوسهم إلى حيث كانوا يرجحون الموت على الخيانة، كما تراه في قصة «تيمستوكليس» (¬2) ، وهو قائد يوناني نبذه أبناء جلدته وطردوه، وأرصدوا له القتل، فاضطر إلى الفرار من أيديهم ، والتجأ إلى «ارتكزيكسيس» (¬3) ملك فارس، فلما كانت الحرب بين فارس واليونان، أمره «ارتكزيكسيس» أن يتولى قيادة جيش لحرب اليونان، فأبى أن يحارب أمته، وإن كانت طردته، فلما ألح عليه الملك الفارسي ولم يجد محيصا، تناول السم، ومات أنفة من خيانة بلاده.
Bogga 7