الخصال الثلاث
وأما الخصال الثلاث التي توارثتها الأمم من تاريخ قد لا يحد قدما، وإنما طبعها في نفوسهم طابع الدين.
فإحداها: خصلة الحياء:
وهو انفعال النفس من إتيان ما يجلب اللائمة، وينحى عليها بالتوبيخ، وتأثرها من التلبس بما يعد عند الناس نقصا، وفي الحق أن يقال: إن تأثير هذه الخلة في حفظ نظام الجمعية البشرية، وكف النفوس عن ارتكاب الشنائع، أشد من تأثير مئين من القوانين، وآلاف من الشرط والمحتسبين؛ فإن النفوس إذا مزقت حجاب الحياء، وسقطت إلى حضيض الخسة والدناءة، ولم تبال بمايصدر عنها من الأعمال، فأي عقاب يردها عن المفاسد التي تخل بنظام الاجتماع، سوى القتل؟! وقد لاحظ ذلك «سولون» (¬1) حكيم اليونان حيث جعل القتل جزاء كل عمل قبيح، حتى الكذبة الواحدة.
وخلة الحياء يلازمها شرف النفس، وهو مما تدور عليه دائرة المعاملات، وتتصل به سلسلة النظام، وهو مناط صحة العقول، والتزام أحكامها، ومعصم الوفاء بالعهود، وهو رأس مال الثقة بالإنسان في قوله وعمله.
وشيمة الحياء هي بعينها شيمة الإباء، وسجية الغيرة، وإنما تختلف أسماؤها باختلاف جهاتها وآثارها في ردع النفس عن شيء، أو حملها على عمل.
والإباء والغيرة: هما مبعث حركات الأمم والشعوب لاستفادة العلوم والمعارف، وتسنم قمم الشرف والرفعة، وتقوية الشوكة وبسط جناح العظمة، وتوفير مواد الغنى والثروة.
وكل أمة فقدت الغيرة والإباء حرمت الترقي؛ وإن تسنى لها من أسبابه ما تسنى، فهي تعطي الدنية، ولا تأنف من الخسه، وتضرب عليها الذلة والمسكنة حتى ينقضى أجلها من الوجود.
وخلة الحياء تنتهي إليها روابط الألفة بين آحاد الأمة في معاشراتهم ومخالطاتهم، فإن حبال الألفة إنما يحكمها حفظ الحقوق، والوقوف عند الحدود، ولا يكون ذلك إلا بهذه الملكة الكريمة.
Bogga 8