ثانيا: إن كانت الأجزاء الديمقراطيسية بالغة من العلم هذا المبلغ، وهي من القوة على نحوه؛ إذ لا قوة إلا بها على رأيهم ، فلماذا لم تبلغ الكائنات وهي هي غاية ما يمكن لها من الكمال؟ ولم تنزل بذواتها الآلام والأوصاب، ثم تعاني العناء في احتمالها أو التخلص منها؟ ولماذا قصر إدراك الإنسان، وإدراك سائر الحيوانات - وهو عين إدراك هذه الأجزاء على هذا المذهب - عن اكتناه حالها أنفسها، وعجز عن حفظ حياتها؟
وأعجب من هذا أن المتأخرين من الماديين بعد ما صافحوا كل خرافة لتأييد مذهبهم، حاصوا (¬1) إلى الحيرة في بعض الأمور فلم يستطيعوا تطبيقها على أصل من أصولهم الفاسدة؛ لا أصل الطبع، ولا أصل الشعور، وذلك عندما رأوا شيئين يختلفان في الخواص، وعناصر هما تظهر عند التحليل متماثلة، ولم يجدوا المحيص عن الوقفة - بعد ما قدموا من الترهات - إلا بالحكم على الأجزاء الديمقراطيسية رجما بالغيب، بأنها ذوات أشكال مختلفة، وعلى حسب الاختلاف في الأشكال والأوضاع كان الاختلاف في الآثار والخواص.
وبالجملة: فهذه عشرة مذاهب اختلف إليها منكرو الألوهية، الزاعمون ألا وجود للصانع الأقدس، وهم المعروفون بين شيعهم أو عند الإلهيين بالطبيعيين، والماديين، والدهريين، وإن شئت قلت: نيتشريين، وناتوراليسميين، وماتيرياليسميين.
وسنأتي على تفصيل مذاهبهم، ودحض حججها بالبينات العقلية، في رسالة أوسع، ولا يظن ظان أنا نقصد من مقالنا هذا تشنيعا بهؤلاء «البياجوات (¬2) الهنديين» . .. كلا إن هؤلاء لا نصيب لهم من العلم، بل ولا من الإنسانية، فهم بعيدون من مواقع الخطاب، ساقطون عن منزلة اللوم والاعتراض.
نعم لو أريد إنشاء تياترو «ملهى» أو «كطبتلى» (¬3) ؛ لتمثل فيه أحوال الأمم المتمدنة، مست الحاجة إلى هؤلاء لإقامة هذه الألاعيب، وإنما غرضنا الأصلي إعلان الحق وإظهار الواقع.
والآن نعتمد الشروع في بيان المفاسد التي جلبها الماديون «النيتشريون» على نظام المدنية، والمضار التي تضعضع لها بناء الهيئة الاجتماعية، وكان منشؤها فشو «ذيوع» أفكارهم.
Bogga 2