وأثناء ذلك نسقط دون وعي في شباك التاريخ الإسرائيلي، لنكتب لهم، نيابة عنهم، أمجد التاريخ، ونسب أسلافنا وبناة حضاراتنا الكبرى بأقذع سباب اخترعه الإنسان، وهو النموذج الذي مثله هنا بناء جن سليمان لمدنية تدمر! وهو نموذج بسيط إزاء الكم الهائل المتراكم على أرففنا من زاد لا تنفد خزائنه، وهو التراكم الذي يجعلنا نتخذ من المأثور مرجعية ومقياسا ومعيارا لكل شيء، ونزنقه حشرا في كل أمر، ومثله ما جاء في المقال المذكور أن «بعل» هو الإله البابلي «مردوك»، وأن «مردوك» قد تم تكسيره على يد النبي إبراهيم.
هكذا ببساطة نلقي القول، فقط لأن إبراهيم كسر أصناما كما جاء بالقرآن الكريم، ولأن بعض المؤرخين قالوا إنه عراقي الأصل، ولأن مردوك كان أحد آلهة العراق، فلا بد إذن أنه لم يسلم من فأس إبراهيم! بالله ماذا يمكن أن يفعل مثل ذلك الكلام بقلبي المريض؟ إن قولا كهذا كي تثبته أو تنفيه، عليك أن تكرس له من عمرك سنوات، وعندما تكون أي دراسة من دراساتي قد استغرقت من عمري زمنا، وأعملت المرض في قلبي، فإن إلقاء القول هكذا على الناس، وفي ظروفنا، ومع حالتي، يصبح قتلا حقيقيا.
مرة أخرى إنه منهج الترديد، وأقول لصديقي الذي لا أشك في نواياه: إن البحث عن المعرفة الصادقة هدف إنساني وعظيم، والبحث الذي يسعى لتحقيق مطامحنا الوطنية والقومية لا شك أعظم، لكن كي يكون الأمر بحثا، وكي يثمر نتائج لا تدفعنا إلى مزيد مما نحن فيه، فحاجتنا أكبر للتخلص من أوهام المنهج الثابت الأوحد، حتى لا نتصور أننا ندافع بإخلاص عن قوميتنا، ونقع في التعصب القبلي، لنصحو يوما ونكتشف أننا داخل القبيلة الإسرائيلية، وسبط من أسباطها، خاصة في هذه الأيام، التي بدأ فيها التاريخ يردد صداه، ويعكسه على رءوسنا. سلام، سلام. وعليكم السلام.
الرد اليسير على توراة عسير1
«كمال الصليبي»، أصبح اسما مطروحا في المنتديات الثقافية، ومتواترا في هوامش البحوث التي تتناول تاريخ القبائل الإسرائيلية، أو ما تعلق بها من أبحاث في المجتمع أو الدين أو الاقتصاد أو السياسة، وعلى مستوى الانتشار أخذ اسم «الصليبي» موقعه من غرابة النظرية التي يطرحها في مؤلفاته، وعلى مستوى البحوث العلمية أخذ مكانه من باب تثمين مضطر للنظرية، سواء بالاتفاق أو الاختلاف، لما قدمه الرجل من جهد وقرائن على نظريته، الأمر الذي يجعل من فساد الرأي التغاضي عنها، عند بحث شأن من شئون الجماعة الإسرائيلية.
ونظرية «الصليبي» تذهب - عموما وبإيجاز - إلى احتساب القبائل الإسرائيلية ، قبائل عربية قحة، سبق أن عاشت في جزيرة العرب في الأزمنة التوراتية القديمة وبالتحديد في منطقة عسير غربي الجزيرة، وأن جميع الأحداث التي قدمتها التوراة كمادة تاريخية وثائقية عن بني إسرائيل من فجر تاريخهم، إنما حدثت جميعا في بلاد عسير العربية، وكانت أهم براهين الباحث وقرائنه، ومكمن قوة نظريته قد جمعت تقريبا وحشدت في كتابه الأول
The Bible Come From Arabia ، المترجم عن الأصل الألماني
Die Bible Kam aus dem Lande ASIR ، وقد ترجمت النسخة الإنجليزية إلى العربية تحت عنوان: «التوراة جاءت من جزيرة العرب».
وقد أتبع الباحث ذلك الكتاب بكتابين آخرين وإن كانا أقل تماسكا وأدنى في الدرجة وفي قدرة الإقناع عن كتابه الأول، قدمها للتخديم على نظريته الأساس التي ضمنها كتابه الأول، ومن ثم جاءا على قدر واضح من الهزال والضعف والتعسف، أولهما بعنوان «خفايا التوراة»، والثاني بعنوان «حروب داود»؛ لذلك سيكون مناط حديثنا هنا مادته الأساس وملاطه الخرساني من كتابه الأول «التوراة جاءت من جزيرة العرب».
والدكتور «كمال الصليبي» يعمل رئيسا لدائرة التاريخ بالجامعة اللبنانية، فهو أستاذ درس مادة التاريخ - فيما علمنا - لأكثر من ثلاثة عقود متصلة، ويبدو لنا أنه قد ركن إلى قناعة تنضح بها سطور العهد القديم من الكتاب المقدس، عند حديثها عن الرب التوراتي «يهوه»، وهي القناعة التي لا تهتز أمام الصفات التوراتية ليهوه، بأنه لم يكن أكثر من بركان، أو على الأقل أن البركان كان أبرز رمز تجلى فيه، وهو البركان الذي توجه إليه الخارجون من مصر بقيادة موسى النبي، في جبل باسم «حوريب»، ويذكر مرات باسم جبل «سيناء». فإن المتوقع تماما أمام التفاصيل التي تحدثت عن صفات «يهوه»، أن نجد ذلك الجبل البركاني في شبه جزيرة سيناء، لكن المشكلة التي واجهت الجميع، هي تأكيدات جاءت تؤكد أن سيناء لم تعرف البراكين إطلاقا طوال تاريخها.
Bog aan la aqoon