وكان حلف بأيمانٍ مؤكدة أنه لا يغني إلا خليفةً أو ولي عهدٍ، وكان عهد الواثق قد التبس عليه حتى تحدث الناس به، وخاضوا فيه، فأحب الواثق أن يقف على صحة أمره، فقال له عبد الله بن الفضل: أنا أستخرج لك علم ذلك فأعزم على الفصد، ففصد الواثق وعلم المعتصم فأمر له بهدايا وتحف، وقال له عبد الله: سله أن يبعث لك المغنين ويجعلني فيهم، فسأل الواثقُ المعتصم فبعث بهم إليه، وأمر عبد الله بالمسير إليه معهم، فقال: يا أمير المؤمنين جعلني الله فداك، قد عرفت يميني، قال: قد عرفتها، فسر إليه وغنه، فإنك لا تحنث، فسار إلى الواثق فأعلمه أن عهده صحيحٌ، فسُرَّ الواثق بذلك، وأمر لعبد الله بمائة ألف درهم ولكل واحد من المغنين بعشرة آلاف درهم.
وحكى معبد الذي يقال له اليقطيني، مولى علي بن يقطين، قال: كنت منقطعًا إلى البرامكة، آخذ منه وأَلزَمُهم، فبينا أنا ذات يوم في منزلي، إذا بياني يُدق، فخرج غلامي ثم رجع، فقال: على الباب فتى ظاهر المروءة جميل الوجه يستأذن عليك، فأذنتُ له، فدخل شابٌ ما رأيت أجمل منه وجهًا، وألطف ثوبًا، وأحسن زيًا، دنفٌ عليه أثر السقم ظاهرٌ، فقال لي: إني أُحاول لقاءَك منذ مدة، ولي إليك حاجة، قلت: ما هي؟ فأخرج لي ثلاثماية دينار فوضعها بين يديَّ، وقال: أُحبُّ أن تقبلها مني، وتضع لي لحنًا في بيتين قلتهما، قلت: نعم وكرامة، هاتِ البيتين، فأنشدني:
والله يا طرفي الجاني على كبدي ... لتطفئن بدمعي لوعة الحَزنِ
أو لأبوحنَّ حتى يحجبوا سكني ... فلا تراه ولو أُدرجت في الكفن
1 / 8