وسأل الحارث بن بُسْخنَّر الرشيد أن يُكرمه ويرفَع ذِكره بزيارته فأجابه، فأنفق أموالًا جليلةً واحتفل ووجَّه إلى ندماء الرشيد يدعوهم إلى مجلسه، ولم يبعث إلى جعفر بن يحيى، فلما همَّ الرشيد بالنهوض إليه؛ قال لجعفر: قم بنا، قال: يا أمير المؤمنين، لم يدعني، فكيف أنهض إليه، فغضب الرشيد واحمرَّ وجهُهُ وقال: ويلي على ابن الزانية، بحياتي إلا ركبت برذوني وتقنعت ومضيت ومعك خدمي حتى تصير إليه، ثم تنزل إلى باب مجلسه وتجلس على فُرشه التي هيأها لي، ولا تكلم أحدًا حتى أُوافيك، فإذا طلعتُ عليك، إياك أن تقوم من مجلسك، ففعل ذلك، فلما طلع عليهم جعفر، ونظروا إليه، على برذون الخليفة وحوله مسرور وحسين وخاقان وكبار خدمه يمشون حوله وبين يديه، وقد قنَّع رأسه بطيلسانه، لم يشكوا أنه أمير المؤمنين، فوثبوا إليه وقبَّلوا الأرض بين يديه، فإذا هو جعفر، فدُهشوا، ونزل على الفُرش التي هُيئت للرشيد ولم يكلم أحدًا، وجاء الرشيد في إثرهِ، فلم يقُم إليه، وجاء وجلس معه ثم قال: يا أخي، إنه لم يدعُك، فما جلوسنا هنا، وأخذ بيده، وقاما فانصرفا، ولا طعمًا ولا شربًا، فخجل القوم، ومات ابن بُسخُنر مما صُنع به، وقام النُّدماء فانصرفوا عنه، وبقي في أخزى حالٍ وأذلها.
1 / 17