وأمعن في الخطأ والتكلف من كل هذا تلك المحاولات التي نشاهدها أحيانا في مصر بنوع خاص عندما نرى جهودا تبذل لإقحام الفلسفة باصطلاحاتها المعروفة في علم النفس أو علم الاجتماع أو غيرهما على الأدب إقحاما لا معنى له غير الإفلاس الأدبي والعقم في الإحساس المباشر وفي الحاسة الفنية التي لا يمكن أن يغني عنها شيء في إدراك المفارقات الدقيقة التي يتميز بها الأدب والأدباء.
3
رد على رد
عجيبة هذه المصادفات ...
لم أكد أفرغ من كتاب «النقد المنهجي عند العرب» للدكتور محمد مندور، وأسجل رأيي في بعض ما جاء فيه - وهو رأي عارضه الدكتور مندور - أقول إنني لم أكد أفرغ من ذلك الكتاب، حتى طالعت كتابا آخر لأديب آخر، ليس بين موضوعه وموضوع الكتاب السابق من أواصر القربى إلا ما يذهب إليه الأديبان من أن النقد الأدبي مرده إلى الذوق. وأما هذا الكتاب الجديد الذي أعنيه، فهو «على هامش الأدب والنقد» للكاتب الأديب المطلع الذواقة الأستاذ علي أدهم.
وكم كنت أحب أن أستعرض هذا الكتاب للقارئ، وأن أقدم له قبسات منه تظهره على ما فيه من غزارة مادة وجمال صورة؛ ففيه خمس وعشرون مقالة أضيفت إليها مقدمة، كل مقالة منها - أستغفر الله - بل كل صفحة من صفحاتها، وأستغفر الحق، بل كل فقرة من كل صفحة، تضيف إلى علمك علما جديدا.
نعم، كم كنت أحب أن أستعرض هذا الكتاب للقارئ، لولا أني آثرت شيئا آخر لنفسي ولقارئي معا، وهو أن أجادل أديبنا الكاتب رأيه في اعتماد النقد الأدبي على الذوق، في كلمة أوجهها كذلك إلى الدكتور مندور وإلى كل من يأخذ بهذا الرأي في أساس النقد. أريد أن أبسط رأيي في شيء من التفصيل، لأبين للقارئ ما أذهب إليه وأدين به، من وجوب اعتماد النقد الأدبي على العقل دون الذوق ... •••
يا ويح نفسي من هذه الألفاظ تلوكها الأفواه، ويشتد حولها الجدال والقتال، دون أن يتمهل المجادلون المقاتلون لحظة واحدة يتبينون فيها معاني هذه الألفاظ التي شمروا عليها السواعد وأرهفوا الألسنة وشرعوا السيوف! يرحمك الله يا سقراط رحمة واسعة، إنك لم تطلب إلى الناس إلا هذا المطلب المتواضع، تحديد الألفاظ التي يستخدمونها في أحاديثهم ونقاشهم، ولو قد فعلوا، لاستراحت ضمائرهم، واطمأنت أفئدتهم في صدورهم.
إن موضوع الخلاف بيني وبين الأديبين الكبيرين هو أنهما يريدان للنقد الأدبي أن يعتمد على الذوق، وأريد أن يعتمد على العقل، بعبارة أخرى، هما يريدان للنقد الأدبي أن يكون فنا، وأريد له أن يكون علما. انظر - نشدتك الله - إلى هذه الكلمات التي حشرناها حشرا في سطر واحد، ولو تناولنا واحدة منها بالتحليل والتحديد، لجاز أن ننفق أعمارنا دون أن نبلغ المدى! «فن»، «علم»، «ذوق»، «عقل».
ما معاني هذه الكلمات الأربع على وجه التحديد؟ ألا يجوز أن ينحسم الخلاف إذا ما اتضحت لنا تلك المعاني؟ ذلك ما أنا فاعله الآن، غير زاعم أني أقول الكلمة الأخيرة في شيء، وكل ما أدعيه هو أني حين أقول إنني أريد للنقد الأدبي أن يعتمد على العقل دون الذوق، فإنما أقول ذلك وفي ذهني ما سأثبته الآن من معان لهذه الألفاظ. •••
Bog aan la aqoon