وهو عهد شبابه، وزمان الدراسة والطلب والتحصيل، ولا نستطيع أن نحدد الوقت والتاريخ بالضبط والتقييد، كما أنا لا نستطيع أن نجزم القول في المدارس والمعاهد العلمية التي درس بها، وتعلم لأن التاريخ عاجز عن ذلك، وكتب التراجم قد أهملت هذه الناحية من نواحى حياته. إلا أننا قد عرفنا بعض الأساتذة الذين تلمذ لديهم الوقشي، وأخذ منهم العلم، واتصل بهم روايته، وسنده عي العلوم وآداب، ومنهم أبو عمر الطلمنكى، وأبو عمرو السفاقسى، وأبو عمر بن الحذاء، وأبو محمد الشنتجيالي وأبو محمد الأنصاري ﵏، وسنذكرهم في فصل مستقل من الفوصل الآتية، وتلم بتراجمهم إلماما، إن شاء الله. إننا نرى أن الوقشي كان قد أتم معظم دراساته بطلطيطة. ويدل على ذلك أن هؤلاء الأعلام المذكورين من أساتذة، كان جلبهم من علماء طليطلة القائمين بها بتدريس العلوم وروايتها، فان أبا عمر بن الحذاء كان قاضى طلطيلة الأفاضل والسفاقسى كان ورد الأندلس وطاف ببلادها نحو عامين، وذلك من ٤٣٦ هـ إلى ٤٣٨ هـ، ومن بين المدن، التي وردها السفاقسى فسمع الناس منه، كانت مدينة طليطلة، وكان الوقشي مقيما بها في سنة ٤٣٨ هـ كما صرح به القاضي صاعد، فلا بد أن سكون سماع الوقشي عن السفاقسي بطليطلة.
الطور الثالث
وهو عهد القضاء بمدينة طلبيرة، ومن الصعب أن نعرف بالضبط متى كان الوقشي قد استقضى بطلبيرة، وما هي الأسباب التي جعلته يحوز هذا المنصب الجليل، إلا أننا نقدر، على وجه الظن والتخمين، أن ذلك كان سنة ثمان وثلاثين وأربعمائة، وذلك في عهد المأمون يحي بن ذي النون، ملك طليطلة، لأن الوقشي يسمع أبا عمرو السفاقسي بطليطلة بين ٤٣٦ هـ و٤٣٨ هـ، ثم يراه القاضي صاعد، ويأخذ منه، سنة ٤٣٨ هـ وهو بطليطلة، ولأن الوقشي في ذلك الوقت كان تجاوز الثلاثين من عمره، وبلغ من العلوم بحيث قضى له الجميع في كل علم وفن، وكان قد احتوى علة فنون المعارف، وجمع لكليات العلوم، فأشتهر كأستاذ كبير، وعالم نابغة، وفقيه ناجح، ووصل صيته في جميع أنحاء الأندلس، وأصبح مرجعا في العلوم والآداب، وقبلة للطلاب الوافدين عليه من أقاصي البلاد، وقد يكون ذلك سببا لاتصال حباله بالمأمون ابن ذي النون، الذي كان قد جعله، من خاصته، وشاركه في مجالس أنسه، وأصبح أكيله وشريبه. ثم اختاره لقضاء طلبيرة في عهده.
ولم يحدثنا التاريخ عن مدة قضائه بتلك المدينة، ألا أن بعضهم قد ذكر أن عبد الله بن فرحون، المتوفى سنة ٤٨٧هـ، " بعد أن نيف على الثمانين من عمره "، كان قد استقضى بطبيرة بعد أبى الوليد الوقشي، وهذا القول أيضا مجهول، ولا يساعدنا في تحديد الوقت ومعرفة التاريخ، كما أنن لا نعرف الأسباب التي جعلته يستقيل عن منصب القضاء، ويهاجر من طلبيرة إلى بلنسية، وقد يكون السبب في ذلك موت ولى نعمته، وأكيله وشريبه المأمون ابن ذي النون، لأن حفيده القادر، الذي خلفه على العرش طليطلة، ثم يكن يتحلى بأوصاف يرضى بها الكرام ويحبها العلماء، فيكونوا من أعوانه وأنصاره أو ولاته وقضائه وحاشيته، وخاصة الأعلام النبلاء الأفاضل من أمثال أبى الوليد الوقشي رحمة الله. وإذا صح هذا فمعنى ذلك أن الوقشي لم يزل على قضاء طلبيرة حتى ٤٦٨ هـ؟
الطور الرابع
1 / 9