ثالثا : أن ذلك أصلا إنما يلزم - كما قال الإمام يحيى بن حمزة عليه السلام - ) في حق الواحد منا إذا لم يكن متكلما أن يكون أخرس أو ساكتا لما كان متكلما بآله يفعل الكلام بها ، فأما الله تعالى فليس متكلما بآله فلا يلزم إذا لم يكن متكلما أن يكن ذا خرس وسكوت ( .(13) ، ثم يقول بعد ذلك : ) وإذا كان الغرض بالسكوت هو عدم الكلام فنحن نقول هكذا فإنا نقول : الله تعالى ساكت في الأزل بمعنى أنه ليس فعلا للكلام ، وهذا لا استحالة فيه ، وإن كان الغرض بالسكوت هو لحوق آفة وفساد آلة فلسنا نقول بهذا ، فإن الله تعالى ليس بذي آفة ولا له آلة فيلحقها الفساد والتغيير( (14) وقد عقب العلامة أحمد بن محمد الشرفي على ذلك بقوله : ) وحاصله أن الخرس والسكوت إنما يوصف بهما المتكلم بآله وهو المخلوق لأنه من لغة العرب ، والله تعالى متكلم لا بآلة ، فلا يجوز إطلاق ذلك عليه لإيهامه الخطأ ، ولأنه لا يصح ذلك في حقه تعالى ( ( 15 )
أما بالنسبة للحنابلة الذين قالوا بقدم القرآن وأن الله تكلم به أزلا بحروفه وألفاظه ، وأوجبوا تبعا لذلك أن يكون الله متكلما أزلا بكلام هو هذه الحروف والألفاظ واعتبروه من لوازم ذاته أي يحصل النقص في ذاته تعالى لو لم يكن متكلما أزليا ... ، فقد أجاب الإمام يحيى بن حمزة عن ذلك مؤكدا بأن ما ذهبوا إليه هو الذي يفيد النقص في حقه تعالى ، لأن الكلام في هذه الحالة - أي أزلا من الله - لابد أن يفيد فائدة من أجلها خرج الكلام وإلا لكان عبثا وهذا محال على الله ، وبيان ذلك أن : ) فائدة الكلام إما أن ترجع إلى المتكلم نفسه نحو التعبد وقراءة القرآن أو الغناء ليطرب نفسه أو للتكرار ليعتاد الحفظ ، والله منزه عن هذه الوجوه الثلاثة المتعلقة بالحديث مع النفس ، وإما أن يكون الكلام خطابا موجها إلى الغير ليفهم مراده من أمر ونهي وخبر ، ولم يكن في الأزل مخاطبون إليهم يتوجه الكلام ومن ثم فإن القول بقدم الكلام عبث ، تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا ( . ( 16 )
ويتبع في الحلقة القادمة إن شاء الله بقية أدلتهم العقلية ثم السمعية .
الهوامش : -
(1) ج1 ص261 من الكتاب المذكور ، دار ابن القيم للنشر والتوزيع ، الدمام ، الطبعة الأولى عام 1410 ه - 1980 م .
(2) راجع ص250 ، 251 ، 252 من كتابه ( دفع شبه التشبيه بأكف التنزيه ) الذي حققه السيد حسن السقاف ، دار الإمام النووي - عمان - الأردن - الطبعة الرابعة 1413 ه - 1992 م .
(3) المصدر السابق بتصرف ، أنظر ص 97 ، 98 ، 99 ، 100 .
(4 ، 5 ) الكتاب المذكور ج1 ص293 .
(6) خلاصة علم الكلام للدكتور عبدالهادي الفضيلي ص126 .
(7) معارج القبول ج1 ص255 .
(8) المصدر السابق ص247 .
(9) كلام الإمام يحيى بن حمزة ، شرح الأساس الكبير للعلامة أحمد بن محمد الشرفي ج2 ص102 .
(10) معارج القبول ج1 ص275 .
(11) الإمام المجتهد يحيى بن حمزة وآراءه الكلامية ، تأليف الدكتور أحمد محمود صبحي ، ص77 .
( 12 ، 13 ، 14 ، 15 ) شرح الأساس الكبير ج2 ص99 ،100 .
(16) الإمام المجتهد يحيى بن حمزة وآراءه الكلامية ، تأليف الدكتور أحمد محمود صبحي ، ص77 .
....
Bogga 47