وهذا كلام صريح في إثبات قدم تلك الحروف والألفاظ ، كما أن فيها تشبيها واضحا للخالق تبارك وتعالى بالمخلوقين بقوله ( تكلم به حقيقة ) أي بحرف وصوت كما هو الحال بالنسبة لنا ، بل إن بعض الحنابلة وتبعهم على ذلك - اليوم - فريق من أتباعهم السلفيين أثبتوا (الصوت ) لله صراحة !! وقالوا بأنه يتكلم بصوت يسمع !!! واحتجوا ببعض الأحاديث التي أدخل في بعضها لفظ ( صوت وبصوته ) وليس منها ، وأخرى باطلة لا يمكن قبولها بأي حال من الأحوال ( لا سندا ولا متنا ) أو كما قال الحافظ ابن حجر في فتح الباري لابد من تأويلها لاستحالة نسبة الصوت إلى الله ، وقد تصدى لهؤلاء أحد علماء الحنابلة أنفسهم وهو ابن الجوزي ( المتوفي عام 597ه ) وأورد تلك الأحاديث - التي روى بعضها البخاري في صحيحه - وناقشها (2) ، وأنكر عليهم إغاراقهم في التشبيه والتجسيم ، وقال في مقدمة كتابه " دفع شبه التشبيه " : ( ورأيت من أصحابنا - يقصد الحنابلة - من تكلم في الأصول بما لا يصلح ...، فصنفوا كتبا شانوا بها المذهب ، ورأيتهم قد نزلوا إلى مرتبة العوام ، فحملوا الصفات على مقتضى الحس ، فسمعوا أن الله تعالى خلق آدم على صورته ، فاثبتوا له صورة ووجها زائدا على الذات وعينين وفما ولهوات وأضراسا ....، إلى قوله : وقد أخذوا بالظاهر في الأسماء والصفات ، فسموها بالصفات تسمية مبتدعه لا دليل لهم في ذلك من النقل ولا من العقل ، ولم يلتفتوا إلى النصوص الصارفة عن الظواهر إلى المعاني الواجبة لله تعالى ولا إلى إلغاء ما يوجبه الظاهر من سمات الحدوث ، ولم يقنعوا بأن يقولوا صفة فعل حتى قالوا صفة ذات ... الخ . ( 3 )
ومعنى إثباتهم الصوت لله أنه سبحانه يتكلم بصوت يسمع قائم بذاته وصادر عنه مباشرة !!
أي لا يخلقه ويحدثه إذا أراد مخاطبة المخلوقين ، كما هو الحال في تكليمه لموسى عليه السلام ، وأن هذا المتلو الذي بين أيدينا ( القرآن ) والمركب من حروف وأصوات ونقرأه نحن بأصواتنا ونؤديه بها ، تكلم الله به أزلا بحرف وصوت قائمين بذاته . !!
والعجيب أنهم يحرصون على القول : ( إلا أن قراءتنا له - أي القرآن - تكون بأصواتنا ) !! ، مع أن هذا من المعلومات الضرورية التي يدركها كل إنسان بما فيهم العوام ، غير أن ذلك هو بسبب إثباتهم الصوت لله تعالى !!
وقولهم بقدم كلامه ( القرآن ) الذي نتلوه ونقرأه بأصواتنا التي أرادوا بذكرها على ذلك النحو أن يؤكدوا على عدم دخولها تحت حكم قدم المتلو ، وأن التلاوة هنا - أي بأصواتنا - مخلوقه .
Bogga 39