] كلام الله وصفة التكلم [
قلنا في الحلقة السابقة بأن القول بقدم القرآن وأنه غير مخلوق ، قد حدد رأي القائلين به في كلام الله بوجه عام فقالوا - تبعا لذلك - بأنه أزلي قديم كعلمه تعالى ، وهذا بدوره ألقى بظلاله على صفة التكلم ومعنى كونه متكلما ، حيث ألحقوا هذه الصفة بصفات الذات كالقادرية والعالمية ونحوها ، وقالوا : بأنها قائمة بذاته تعالى كما هو قولهم في سائر صفات الذات التي هي عين ذاته لدى العدلية وليست قائمة بذاته ، وهذا مبحث آخر لا مجال للخوض فيه هنا ، كما عبروا عن صفة المتكلمية - تبعا لذلك - ب ) الكلام ( وليس ب ) التكلم ( ، مع أن الكلام أثرها وليس هو نفس الصفة ، كصفة الخلق ، فالخلق هو الصفة والمخلوق أثرها، وليس هو صفة الله ، وهذا وذاك في نهاية المطاف هو أثر ونتاج لقدرته المطلقة ، غير أن قولهم بأزلية كلام الله اضطرهم إلى اعتبار كلامه هو صفته القائمة بذاته ، علما بأننا عند وصفنا له بهذه الصفة - أي المتكلمية - وإثباتها لا نقول بأن الله كلام - إنما متكلم ، ناهيك عن أن المتكلم عند أهل اللغة هو من فعل الكلام لا من قام به الكلام ، ولا يطلقون هذا اللفظ ( متكلم ) إلا على فاعل الكلام ، قال الإمام يحيى بن حمزة في كتابه الشامل : ) والدليل على أن المتكلم هو فاعل الكلام ، هو أن المتكلم اسم اشتقاقي والاسم الاشتقاقي لا يعقل في إطلاقه إلا بوجود الفعل ، فيجب أن يكون المرجح بكونه متكلما إلى وجود الكلام ، لأنه من أسماء الفاعلين كالمنعم والمكرم ، ولاشك في كونها مشتقة من الأفعال الجارية عليها . ( (1) وليس أدل على ذلك من قوله تعالى : ) وكلم الله موسى تكليما ( ولا يفهم من ذلك إلا أنه فعل الكلام ، غير أن الله سبحانه وتعالى يخلق الكلام ويحدثه كيف يشاء إذا أراد مخاطبة المخلوقين ، ولا يتكلم بآلة أو جارحة أو صوت كما هو حال الإنسان .
....
Bogga 27