وأسرع حسني إلى غرفة النوم متأففا، وهو يؤنب سامية بصوت يحاول أن يكون مرتفعا، ودق جرس الباب في هذه اللحظة فدخل رجل ضخم، شعره مجعد وطويل وفاحم، وعيناه شديدتا السواد مخيفتان، إلى حد أن صابر لم يستطع أن يثبت عينيه فيهما أكثر من لحظة واحدة، كان صوته أجش، وبدا لصابر أنه ثور غبي وهو يقول: هل هذه مواعيد يا عالم، من الصبح أنتظركم، والناس تسأل عنكم، والبلاتوه جاهز، والمنتج الذي كان موعده معك يا سي حسني على البار، وكاتب الاسكريبت يا ست سامية، منتظر هناك على نار.
إن لم تنزلوا حالا ضاعت علينا الفرصة، أعوذ بالله من هذا الحر، الدنيا نار، بسرعة يا ست سامية، اعملي لك قلب.
كان الرجل الضخم قد وقف أمام باب غرفة النوم فسده بهيكله الجبلي وصوته الأجش وكل شيء هائل فيه، لم يلاحظ وجود صابر، بل وقف في مكانه كأنه يكتم أنفاسه، ورن جرس التليفون، وسمع صابر صوت سامية تتكلم في نفس واحد، ووجد صابر نفسه ينهض من على الكرسي، وقد خيل إليه أنه استراح قليلا، ودون أن يحس به أحد مشى على أطراف أصابعه إلى الباب الخارجي ففتحه في هدوء، حتى العجوز الطيبة أم محمد، التي كانت تقف لحظتها في المطبخ وتعطي له ظهرها، بحيث يرى طرحتها البيضاء فوق رأسها بوضوح، لم تحس به وهو يغلق الباب وراءه.
قيصر
- أفسحوا الطريق لقيصر.
من هنا سيعبر موكبه.
عما قليل ستهل عليكم طلعته. - قيصر، يا ظل الله في الأرض.
أصوات الرعية تهمهم من بعيد.
والحاشية تحف بالعربة الإمبراطورية.
الموكب لا ريب قادم في الطريق، أنا إذن سأبصره بعيني هاتين، بل ربما استطعت أن أندس بين صفوف الجند العظام، وأن أهتف مع الهاتفين، وأمد يدي فألمس - أقول ألمس! - العربة الإمبراطورية المزينة بالورود، المتوجة بالذهب والفضة، ومن يدري؟ فلعلي أستطيع أن ألفته إلى وجودي، ولعل الشجاعة أن تواتيني فأمد يدي بشكواي، سيطرق قيصر العظيم برأسه، وربما ابتسم، وربما مال على أذني ليقول لي: «أنا لم أنسك قط، أنا لن أنساك في يوم من الأيام.» ولكن هل أستطيع حقا أن أنفذ من الستار العظيم الذي يطوقه بالرجال والسلاح؟ هل أستطيع حقا أن أعبر السياج المتين الذي تصنعه الهيبة والجلال حول مجده الإمبراطوري؟!
Bog aan la aqoon