رجله جرًا، وبات أَرِقًا مسهدًا، ينتظر انبلاج الفجر ليحمل عصاه ويعود إلى صبيانه.
* * *
لم يكن كليب جاهلًا ولا محمّقًا، وإنما كان أديبًا أريبًا فطنًا ذكيًا، من أبلغ الناس لسانًا وأجرئهم جنانًا، وكان من أحفظهم لكتاب الله، وأبصرهم بالشعر، وكان فتى بادي الفتوة، قويًا ظاهر القوة، لا يعرف اللهو ولا يميل إلى اللعب، ولكنه يعرف الجد في أموره كلها، ويحب النظام، ويميل إلى الصدق، ويأخذ تلاميذه وأصحابه بشيء من القسوة أحيانًا، واللين حينًا، وكان يجنح إلى الحزم ولو اضطره الحزم إلى كثير من الشدة والصرامة.
ولم يكن يؤخذ عليه إلا هذه الأمنية التي كانت تخرج به - في كثير من أيامه - عن الوقار والحزم، وتدنو به - أحيانًا - من اليأس والضعف، وتَعرضه على عيون الناس خفيفًا طياشًا، وهو الرزين الوقور، وتلقي الخلاف بينه وبين شريكه وزميله عقيل، الذي كان أعرق منه في الصناعة، وأعلى في السن، وأكثر اختبارًا للحياة، وإن كان دونه في مضاء عزيمته وقوة شخصيته. حتى لقد اضطر عقيل إلى لومه مررًا، وحاول مرة أن يسخر من هذه الحماقة التي ملأت رأسه وأن يصرفه عنها، وأن ينتزع من نفسه الرغبة في الإمارة والسلطان ... ولا يجد ما يقوله فيصمت هو أيضًا ويعاودان العمل.
وكثيرًا ما كانت تطغى على كليب أحلامه، فتغلب عليه