149

قصص من التاريخ

قصص من التاريخ

Daabacaha

دار المنارة للنشر والتوزيع

Lambarka Daabacaadda

العاشرة

Sanadka Daabacaadda

١٤٢٧ هـ - ٢٠٠٧ م

Goobta Daabacaadda

جدة - المملكة العربية السعودية

Noocyada

افتقدته من زمان؛ عالم الحيرة، وعدي بن زيد، والنعمان ... العالَم الذي احتوى مسراتها وأحزانها وروحها، فلما مر حمل ذلك كله معه؛ فعاشت من بعده بلا حب، ولا مسرات، ولا أحزان، ولا روح، إلا هذه الذكريات التي تنقر كل يوم نقرة في قلبها. فلو كان حجرًا صلدًا لتفتت، فكيف وهو من لحم ودم؟ لقد بنت هذا الدير وتوارت وراء جدرانه، وعاشت منه في المنطقة الحرام بين الحياتين. فلا هي بحياة الناس الدنيا، فيها متعتها وملاهيها ومشاغلها، ولا هي بالحياة الأخرى. منطقة وراء الحياة ودون الموت هي معيشة الدير. وزادها ضيقًا وجمودًا أنها في الدير وحدها، بَنَته لتأوي إليه تناجي فيه ذكريات حبيبها الذي فُجعت به وعافت لأجله الأرض برحبها وسعتها، وصبرت على هذا السجن الدهر الأطول، لا تدري مما وراء بابه إلا طرفًا مما يحمله إليها رجال القوافل الذين كانوا يمرون بها. وكان أقصى ما تصنعه إذا هي نشطت يومًا وأحبت أن تفارق منسكها أن تسلك هذا الطريق الذي طالما مر عليه فاتحون ومنهزمون، وسارت فيه الحضارة مصعدة وهابطة، ومشى فيه ملوك وسوقة، وسوقة وملوك، ذهبوا جميعًا إلى حيث لا يؤوب ذاهب، حتى تتعب من المسير فتجلس على رابية، وتشرف على البلد الحبيب: الحيرة، التي كانت يومًا موطن هواها، وكان فيها الإنسان الذي أعطته قلبها وأعطاها متعة العمر، فترى الحيرة لا تزال ترفل في حلل الخزامى والأقحوان، ولا تزال قصورها البيض تخطر تيّاهة بين البساتين، ولا يزال نسيمها معطرًا بأنفاس المحبين، تطفو على وجهه همسات الغرام. ولكنها لم تكن تحيا فيها؛ كانت تفكر في

1 / 156