Qiyam al-Layl by Saeed bin Wahf al-Qahtani
قيام الليل لسعيد بن وهف القحطاني
Daabacaha
مطبعة سفير
Goobta Daabacaadda
الرياض
Noocyada
٢٩
سلسلة مؤلفات سعيد بن علي بن وهف القحطاني
قيام الليل
فضله، وآدابه، والأسباب المعينة عليه
في ضوء الكتاب والسنة
Bog aan la aqoon
بسم الله الرحمن ... الرحيم
المقدمة
إن الحمد لله، نحمده، ونستعينه، ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، وسيئات أعمالنا، من يهدِهِ الله فلا مضل له، ومن يُضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، وسلّم تسليمًا كثيرًا. أما بعد:
فهذه رسالة مختصرة «في قيام الليل» أوضحت فيها:
مفهوم التهجد، وفضل قيام الليل، وأفضل أوقاته، وعدد ركعاته، وآداب قيام الليل، والأسباب المعينة عليه، وبيّنت مفهوم صلاة التراويح، وحكمها، وفضلها، ووقتها، وعدد ركعاتها، ومشروعية الجماعة فيها، ثم أوضحت الوتر، وحكمه، وفضله، ووقته، وأنواعه، وعدده، والقراءة فيه، والقنوت في الوتر،
1 / 3
والدعاء بعد السلام من الوتر، وأن الوتر من صلاة الليل وهو آخره، وحكم قضاء سنة الوتر لمن نام عنها أونسيها، وكل مسألة قرنتها بدليلها.
وقد استفدت كثيرًا من تقريرات وترجيحات سماحة شيخنا الإمام العلاّمة عبد العزيز بن عبد الله ابن باز، نوّر ضريحه، ورفع درجاته في الفردوس الأعلى.
والله أسأل أن يجعل هذا العمل مقبولًا، مباركًا، خالصًا لوجهه الكريم، وأن ينفعني به في حياتي، وبعد مماتي، وأن ينفع به كل من انتهى إليه؛ فإنه سبحانه خير مسؤول، وأكرم مأمول، وهو حسبنا ونعم الوكيل، ولا حول ولا قوة إلا بالله العليّ العظيم، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، وخيرته من خلقه، نبينا وإمامنا وقدوتنا محمد بن عبد الله، وعلى آله وأصحابه، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
المؤلف
حرر في ضحى يوم الجمعة
٩/ ١/١٤٢١هـ
1 / 4
المبحث الأول: التهجد وقيام الليل
أولًا: مفهوم التهجد، يقال: هجد الرجل إذا نام بالليل، وهجد إذا صلى بالليل. وأما المتهجِّد فهو القائم إلى الصلاة من النوم (١).
ثانيًا: صلاة التهجد سنة مؤكدة (٢)، ثابتة بالكتاب والسنة، وإجماع الأمة، قال الله ﷿ في صفة عباد الرحمن: ﴿وَالَّذِينَ يَبِيتُونَ لِرَبِّهِمْ سُجَّدًا وَقِيَامًا﴾ (٣)، وقال ﷿ في صفة المتقين: ﴿كَانُوا قَلِيلا مِّنَ الليل مَا يَهْجَعُونَ*وَبِالأَسْحَارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ﴾ (٤) وقال تعالى في أصحاب الإيمان الكامل: ﴿تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفًا وَطَمَعًا وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ * فَلا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَّا أُخْفِيَ
_________
(١) انظر: لسان العرب، لابن منظور، باب الدال، فصل الهاء، ٣/ ٤٣٢، والقاموس المحيط للفيروزآبادي، باب الدال، فصل الهاء، ص٤١٨.
(٢) مجموع فتاوى ومقالات متنوعة، لابن باز، ١١/ ٢٩٦.
(٣) سورة الفرقان، الآية: ٦٤.
(٤) سورة الذاريات، الآيتان: ١٧، ١٨.
1 / 5
لَهُم مِّن قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ﴾ (١). وقال سبحانه: ﴿يَتْلُونَ آيَاتِ الله آنَاء الليل وَهُمْ يَسْجُدُونَ﴾ (٢). وقال ﷾: ﴿وَالْمُسْتَغْفِرِينَ بِالأَسْحَارِ﴾ (٣) ووصف الله ﷿ أهل الإيمان الكامل الذين يقومون بالليل بالعلم، ورفع مكانتهم على غيرهم، فقال تعالى: ﴿أَمَّنْ هُوَ قَانِتٌ آنَاءَ الليل سَاجِدًا وَقَائِمًا يَحْذَرُ الآخِرَةَ وَيَرْجُو رَحْمَةَ رَبِّهِ قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُوْلُوا الأَلْبَابِ﴾ (٤)؛ ولعظم شأن صلاة الليل قال الله لنبيه ﷺ: ﴿يَا أَيُّهَا الْمُزَمِّل * قُمِ الليل إِلا قَلِيلا * نِصْفَهُ أَوِ انقُصْ مِنْهُ قَلِيلا * أَوْ زِدْ عَلَيْهِ وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلا﴾ (٥). وقال سبحانه للنبي ﷺ: ﴿وَمِنَ الليل فَتَهَجَّدْ بِهِ نَافِلَةً لَّكَ عَسَى أَن يَبْعَثَكَ
_________
(١) سورة السجدة، الآيتان: ١٦، ١٧.
(٢) سورة آل عمران، الآية: ١١٣.
(٣) سورة آل عمران، الآية: ١٧.
(٤) سورة الزمر، الآية: ٩.
(٥) سورة المزمل، الآيات: ١ - ٤.
1 / 6
رَبُّكَ مَقَامًا مَّحْمُودًا﴾ (١)، وقال ﷿: ﴿إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ تَنزِيلا * فَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ وَلا تُطِعْ مِنْهُمْ آثِمًا أَوْ كَفُورًا * وَاذْكُرِ اسْمَ رَبِّكَ بُكْرَةً وَأَصِيلا * وَمِنَ الليل فَاسْجُدْ لَهُ وَسَبِّحْهُ لَيْلا طَوِيلا﴾ (٢). وقال ﷾: ﴿وَمِنَ الليل فَسَبِّحْهُ وَأَدْبَارَ السُّجُود﴾ (٣). وقال ﷿: ﴿وَمِنَ الليل فَسَبِّحْهُ وَإِدْبَارَ النُّجُوم﴾ (٤)، وحث عليها النبي ﷺ بقوله: «أفضل الصيام بعد رمضان شهر الله المحرم، وأفضل الصلاة بعد الفريضة صلاة الليل» (٥).
ثالثًا: فضل قيام الليل عظيم؛ للأمور الآتية:
١ - عناية النبي ﷺ بقيام الليل حتى تفطرت قدماه، فقد كان يجتهد في القيام اجتهادًا عظيمًا، فعن عائشة ﵂ أن
_________
(١) سورة الإسراء، الآية: ٧٩.
(٢) سورة الإنسان، الآيات: ٢٣ - ٢٦.
(٣) سورة ق، الآية: ٤٠.
(٤) سورة الطور، الآية: ٤٩.
(٥) مسلم، كتاب الصيام، باب فضل صوم المحرم، برقم ١١٦٣ من حديث أبي هريرة ﵁.
1 / 7
النبي ﷺ كان يقوم من الليل حتى تتفطَّر قدماه، فقالت عائشة: لم تصنعُ هذا يا رسول الله وقد غفر الله لك ما تقدَّمَ من ذنبك وما تأخر؟ قال: «أفلا أحبُّ أن أكون عبدًا شكُورًا» (١)، وعن المغيرة ﵁ قال: «قام النبي ﷺ حتى تورَّمت قدماه، فقيل له: غفر الله لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر؟ قال: «أفلا أكون عبدًا شكورًا» (٢).
وقد أحسن القائل من أصحاب النبي ﷺ حين قال:
وفينا رسول الله يتلو كتابه ... إذا انشق معروف من الفجر ساطع
يبيت يجافي جنبه عن فراشه ... إذا استثقلت بالكافرين المضاجع (٣)
٢ - من أعظم أسباب دخول الجنة، فعن عبد الله بن سلام ﵁ قال: لما قَدم النبي ﷺ المدينة انجفل الناس قِبَلَهُ، وقيل:
_________
(١) متفق عليه: البخاري، كتاب التفسير، سورة الفتح، باب قوله: ﴿لِيَغْفِرَ لَكَ الله مَا تَقَدَّمَ مِن ذَنبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ﴾، برقم ٤٨٣٧، ومسلم، كتاب صفات المنافقين، باب إكثار الأعمال والاجتهاد في العبادة، برقم ٢٨٢٠.
(٢) متفق عليه: البخاري، كتاب التفسير، سورة الفتح، باب قوله: ﴿لِيَغْفِرَ لَكَ الله مَا تَقَدَّمَ مِن ذَنبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ﴾، برقم ٤٨٣٦، ومسلم، كتاب صفات المنافقين، باب إكثار الأعمال والاجتهاد في العبادة، برقم ٢٨١٩.
(٣) يذكر عن عبد الله بن رواحة ﵁.
1 / 8
قدِم رسول الله ﷺ، قدم رسول الله ﷺ، قدم رسول الله ﷺ ثلاثًا، فجئت في الناس، لأنظر، فلما تبيَّنتُ وجْهَهُ عرفتُ أن وجهه ليس بوجه كذَّاب، فكان أول شيء سمعتُه تكلَّم به أن قال: «يا أيها الناس، أفشوا السلام، وأطعموا الطعام، وصِلوا الأرحام، وصلُّوا بالليل والناسُ نيام، تدخلوا الجنة بسلام» (١).
وقد أحسن القائل حين قال:
ألهتك لذةُ نومةٍ عن خير عيشٍ ... مع الخيرات في غرف الجنان
تعيش مُخلَّدًا لا موت فيها ... وتنعم في الجنان مع الحسان
تيقظ من منامك إنَّ خيرًا ... من النوم التهجدُ بالقران (٢)
٣ - قيام الليل من أسباب رفع الدرجات في غرف الجنة؛
_________
(١) أخرجه ابن ماجه بلفظه، كتاب الأطعمة، باب إطعام الطعام، برقم ٣٢٥١، وكتاب إقامة الصلاة والسنة فيها، باب ما جاء في قيام الليل، برقم ١٣٣٤، والترمذي، كتاب صفة القيامة، باب حديث: أفشوا السلام، برقم ٢٤٨٥، وفي كتاب البر والصلة، باب ما جاء في قول المعروف، برقم ١٩٨٤، والحاكم، ٣/ ١٣، وأحمد، ٥/ ٤٥١، وصححه الألباني في سلسلة الأحاديث الصحيحة، برقم ٥٦٩، وإرواء الغليل، ٣/ ٢٣٩.
(٢) قيام الليل للإمام محمد بن نصر المروزي، ص٩٠، والتهجد وقيام الليل لابن أبي الدنيا، ص٣١٧، وقيل الأبيات لمالك ابن دينار.
1 / 9
لحديث أبي مالك الأشعري ﵁ قال: قال رسول الله ﷺ: «إن في الجنة غُرفًا يُرى ظاهرُها من باطنها، وباطنها من ظاهرها، أعدَّها الله تعالى لمن أطعم الطعام، وألانَ الكلام، وتابع الصيام (١)، وأفشى السلام، وصلى بالليل والناس نيام» (٢).
٤ - المحافظون على قيام الليل محسنون مستحقون لرحمة الله وجنته؛ لأنهم ﴿كَانُوا قَلِيلا مِّنَ الليل مَا يَهْجَعُونَ، وَبِالأَسْحَارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ﴾ (٣).
٥ - مدح الله أهل قيام الليل في جملة عباده الأبرار عباد الرحمن، فقال ﷿: ﴿وَالَّذِينَ يَبِيتُونَ لِرَبِّهِمْ سُجَّدًا وَقِيَامًا﴾ (٤).
_________
(١) تابع الصيام: أي أكثر منه بعد الفريضة بحيث تابع بعضها بعضًا ولا يقطعها رأسًا، وقيل: أقله أن يصوم من كل شهر ثلاثة أيام، تحفة الأحوذي بشرح جامع الترمذي، ٦/ ١١٩.
(٢) أحمد، ٥/ ٣٤٣، وابن حبان (موارد) برقم ٦٤١، والترمذي، عن علي ﵁ كتاب صفة الجنة، باب ما جاء في صفة غرف الجنة، برقم ٢٥٢٧، وأحمد في المسند عن عبدالله بن عمرو، ٢/ ١٧٣، وحسنه الألباني في صحيح سنن الترمذي، ٢/ ٣١١، وصحيح الجامع، ٢/ ٢٢٠، برقم ٢١١٩.
(٣) سورة الذاريات، الآيتان: ١٧ - ١٨.
(٤) سورة الفرقان، الآية: ٦٤.
1 / 10
٦ - شهد لهم بالإيمان الكامل فقال سبحانه: ﴿إِنَّمَا يُؤْمِنُ بِآيَاتِنَا الَّذِينَ إِذَا ذُكِّرُوا بِهَا خَرُّوا سُجَّدًا وَسَبَّحُوا بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَهُمْ لا يَسْتَكْبِرُونَ*تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفًا وَطَمَعًا وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ ُنفِقُونَ﴾ (١).
٧ - نفى الله التسوية بينهم وبين غيرهم ممن لم يتصف بوصفهم، فقال تعالى: ﴿أَمَّنْ هُوَ قَانِتٌ آنَاءَ الليل سَاجِدًا وَقَائِمًا يَحْذَرُ الآخِرَةَ وَيَرْجُو رَحْمَةَ رَبِّهِ قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُوْلُوا الأَلْبَابِ﴾ (٢).
٨ - قيام الليل مكفِّر للسيئات ومنهاة للآثام، لحديث أبي أمامة ﵁ عن رسول الله ﷺ أنه قال: «عليكم بقيام الليل فإنه دأب الصالحين قبلكم، وهو قُربة إلى ربكم، ومكفِّر للسيئات، ومنهاة للآثام» (٣).
_________
(١) سورة السجدة، الآيات: ١٥ - ١٧.
(٢) سورة الزمر، الآية: ٩.
(٣) الترمذي، كتاب الدعوات، باب من فتح له منكم باب الدعاء، برقم ٣٥٤٩، والحاكم، ١/ ٣٠٨، والبيهقي، ٢/ ٥٠٢،وحسنه الألباني في إرواء الغليل،٢/ ١٩٩، برقم ٤٥٢، وفي صحيح سنن الترمذي، ٣/ ١٧٨.
1 / 11
٩ - قيام الليل أفضل الصلاة بعد الفريضة؛ لحديث أبي هريرة ﵁ يرفعه، وفيه: «أفضل الصيام بعد رمضان شهر الله المحرم، وأفضل الصلاة بعد المكتوبة صلاة الليل» (١).
١٠ - شرف المؤمن قيام الليل؛ لحديث سهل بن سعد ﵁ قال: جاء جبريل إلى النبي ﷺ فقال: «يا محمد عش ما شئت فإنك ميت، وأحببْ من شئت فإنك مفارقه، واعمل ما شئت فإنك مجزيٌّ به» ثم قال: «يا محمد شرف المؤمن قيام الليل، وعزُّه استغناؤه عن الناس» (٢).
١١ - قيام الليل يُغْبَطُ عليه صاحبه؛ لعظيم ثوابه، فهو خير من الدنيا وما فيها؛ لحديث عبد الله بن عمر ﵄ قال: قال رسول الله ﷺ: «لا حسد إلا في اثنتين: رجل آتاه
_________
(١) مسلم، برقم ١١٦٣، وتقدم تخريجه.
(٢) أخرجه الحاكم، ٤/ ٣٢٥، وصححه ووافقه الذهبي، وحسّن إسناده المنذري في الترغيب والترهيب، ١/ ٦٤٠، وعزاه للطبراني في الأوسط، وأشار إلى ثبوته الهيثمي في مجمع الزوائد، ٢/ ٢٥٣، وعزاه للطبراني في الأوسط، وحسنه الألباني في سلسلة الأحاديث الصحيحة، برقم ٨٣١، وذكر له ثلاث طرق: عن علي، وعن سهل، وعن جابر ﵁.
1 / 12
الله القرآن فهو يقوم به آناء الليل وآناء النهار، ورجل آتاه الله مالًا فهو ينفقه آناء الليل وآناء النهار» (١)؛ ولحديث عبد الله بن مسعود ﵁ قال: قال النبي ﷺ: «لا حسد إلا في اثنتين: رجل آتاه الله مالًا فسلَّطه على هلكته في الحق، ورجل آتاه الله الحكمة فهو يقضي بها ويعلِّمها» (٢).
١٢ - قراءة القرآن في قيام الليل غنيمة عظيمة؛ لحديث عبد الله بن عمرو ﵄ قال: قال رسول الله ﷺ: «من قام بعشر آيات لم يكتب من الغافلين، ومن قام بمائة آية كتب من القانتين، ومن قام بألف آية كتب من المقنطرين (٣» (٤).
_________
(١) مسلم، كتاب صلاة المسافرين، باب فضل من يقوم بالقرآن، برقم ٨١٥.
(٢) متفق عليه: البخاري، كتاب العلم، باب الاغتباط في العلم والحكمة، برقم ٧٣، ومسلم، كتاب صلاة المسافرين، باب فضل من يقوم بالقرآن ويعلِّمه وفضل من تعلم حكمه من فقه أو غيره فعمل بها وعلمها، برقم ٨١٦.
(٣) المقنطرين: أي ممن كتب له قنطار من الأجر، الترغيب والترهيب للمنذري، ١/ ٤٩٥.
(٤) أبو داود، كتاب شهر رمضان، باب تحزيب القرآن، برقم ١٣٩٨، وابن خزيمة في صحيحه، ٢/ ١٨١، برقم ١١٤٢، وصححه الألباني في صحيح سنن أبي داود، ١/ ٢٦٣، وفي سلسلة الأحاديث الصحيحة، برقم ٦٤٣.
1 / 13
وعن أبي هريرة ﵁ قال: قال رسول الله ﷺ: «أيحب أحدكم إذا رجع إلى أهله أن يجد فيه ثلاث خَلِفاتٍ عظام سمانٍ؟» قلنا: نعم، قال: «ثلاث آيات يقرأ بهن أحدكم في صلاته خير له من ثلاث خلفات عظام سمان» (١).
وقد حدد النبي ﷺ أقصى مدة وأدنى زمن يُختم فيه القرآن لعبد الله بن عمرو ﵄ عندما سأله، فقال له: «في أربعين يومًا»،ثم قال: «في شهر»،ثم قال: «في خمس عشرة» ثم قال: «في عشر»،ثم قال: «في سبع» (٢). قال: إني أقوى من ذلك، قال: «لا يفقه من قرأه في أقل من ثلاث» (٣).
رابعًا: أفضل أوقات قيام الليل الثلث الآخر، وصلاة الليل تجوز في أوله، وأوسطه، وآخره؛ لحديث أنس ﵁ قال:
_________
(١) مسلم، كتاب صلاة المسافرين، باب فضل قراءة القرآن في الصلاة وتعلمه، برقم٨٠٢.
(٢) سنن أبي داود، كتاب شهر رمضان، باب تحزيب القرآن، برقم ٣٩٥، وصححه الألباني في صحيح سنن أبي داود، ١/ ٢٦٢.
(٣) أبو داود، كتاب شهر رمضان، باب في كم يقرأ القرآن، برقم ١٣٩٠، وصححه الألباني في صحيح سنن أبي داود، ١/ ٢٦١.
1 / 14
«كان رسول الله ﷺ يفطر من الشهر حتى نظن أن لا يصوم منه، ويصوم حتى نظن أن لا يفطر، وكان لا تشاء أن تراه من الليل مصليًا إلا رأيته، ولا نائمًا إلا رأيته» (١). وهذا يدل على التيسير، فعلى حسب ما تيسر للمسلم يقوم، ولكن الأفضل أن يكون القيام في الثلث الآخر من الليل؛ لحديث عمرو بن عبسة ﵁ أنه سمع النبي ﷺ يقول: «أقرب ما يكون الربُّ من العبد في جوف الليل الآخر، فإن استطعت أن تكون ممن يذكر الله في تلك الساعة فكن» (٢). ومما يزيد ذلك وضوحًا حديث أبي هريرة ﵁ عن النبي ﷺ أنه قال: «ينزل ربنا ﵎ كل ليلة إلى السماء الدنيا حين يبقى ثلث الليل الآخر
_________
(١) البخاري، كتاب التهجد، باب قيام النبي ﷺ الليل من نومه وما نسخ من قيام الليل، برقم ١١٤١.
(٢) الترمذي، كتاب الدعوات، باب في دعاء الضيف، برقم ٣٥٧٩، وأبو داود بنحوه، كتاب التطوع، باب من رخص فيها إذا كانت الشمس مرتفعة، برقم ١٢٧٧،والنسائي، كتاب المواقيت، باب النهي عن الصلاة بعد العصر، برقم ٥٧٢،وصححه الألباني في صحيح سنن الترمذي،٣/ ١٨٣.
1 / 15
فيقول: من يدعوني فأستجيب له؟ من يسألني فأعطيه؟ من يستغفرني فأغفر له؟ [فلا يزال كذلك حتى يضيء الفجر]» (١).
وعن جابر ﵁ قال: سمعت رسول الله ﷺ يقول: «إن في الليل لساعةً لا يوافقها عبدٌ مسلم يسأل الله خيرًا من أمر الدنيا والآخرة إلا أعطاه إياه، وذلك كل ليلة» (٢).
وعن عبد الله بن عمرو بن العاص ﵄ أن رسول الله ﷺ قال له: «أحبُّ الصلاة إلى الله صلاةُ داود ﵇، وأحبُّ الصيام إلى الله صيامُ داود، وكان ينام نصفَ الليل، ويقوم ثلثَه، وينام سُدسَه، ويصوم يومًا ويُفطر يومًا، ولا يفرُّ إذا لاقى» (٣).
وعن عائشة ﵂ قالت حينما سُئلت: أي العمل كان
_________
(١) متفق عليه: البخاري، برقم ١٤٥، ومسلم، برقم٧٥٨، وتقدم تخريجه.
(٢) مسلم، كتاب صلاة المسافرين، باب في الليل ساعة مستجاب فيها الدعاء، برقم ٧٥٧.
(٣) متفق عليه: البخاري، كتاب التهجد، باب من نام عند السحر، برقم ١١٣١، و١٩٧٩، ومسلم، كتاب الصيام، باب النهي عن الصوم الدهر، برقم ١١٥٩.
1 / 16
أحبَّ إلى رسول الله ﷺ؟ قالت: الدائم، قلت: متى كان يقوم؟ قالت: كان يقوم إذا سمع الصارخ (١). وفي حديثها الآخر ﵂: «إن كان رسول الله ﷺ ليوقظه الله من الليل فما يجيء السَّحر حتى يفرغ من حزبه» (٢).
خامسًا: عدد ركعات قيام الليل، ليس له عددٌ مخصوص؛ لقول النبي ﷺ: «صلاة الليل مثنى مثنى، فإذا خشي أحدكم الصبح صلى ركعة واحدة توتر له ما قد صلى» (٣).
ولكن الأفضل أن يقتصر على إحدى عشرة ركعة؛ أو ثلاث عشرة ركعة، لفعل النبي ﷺ، فعن عائشة ﵂ قالت: «كان رسول الله ﷺ يصلي ما بين أن يفرغ من صلاة العشاء إلى الفجر إحدى عشرة ركعة يسلِّم بين كل ركعتين ويوتر بواحدة» (٤)؛ ولحديثها الآخر: «ما كان
_________
(١) متفق عليه: البخاري برقم ١١٣٢، ومسلم، برقم ٧٤١، وتقدم تخريجه.
(٢) أبو داود، كتاب التطوع، باب وقت قيام النبي ﷺ من الليل، برقم ١٣١٦، وحسنه الألباني في صحيح سنن أبي داود، ١/ ٢٤٤.
(٣) متفق عليه: البخاري، برقم ٩٩٠، ومسلم، برقم ٧٤٩، وتقدم تخريجه.
(٤) مسلم، برقم ٧٣٦، وتقدم تخريجه.
1 / 17
رسول الله ﷺ يزيد في رمضان ولا في غيره على إحدى عشرة ركعة» (١).
سادسًا: آداب قيام الليل:
١ - ينوي عند نومه قيام الليل وينوي بنومه التَّقوِّي على الطاعة ليحصل على الثواب على نومه؛ لحديث عائشة ﵂ أن رسول الله ﷺ قال: «ما من امرئ تكون له صلاة بليل فغلبه عليها نوم إلا كتب الله له أجر صلاته، وكان نومُه صدقةً عليه» (٢)؛ولحديث أبي الدرداء ﵁ يبلغ به النبي ﷺ قال: «من أتى فراشه وهو ينوي أن يقوم يصلي من الليل فغلبتْهُ عيناه حتى أصبح، كُتبَ له ما نوى، وكان نومُهُ صدقةً عليه من ربه ﷿» (٣).
_________
(١) متفق عليه، البخاري، برقم ١١٤٧، ومسلم، برقم ٧٣٨، وتقدم تخريجه.
(٢) النسائي، كتاب قيام الليل وتطوع النهار، باب من كان له صلاة بالليل فغلبه عليها النوم، برقم ١٧٨٤، وأبو داود، كتاب التطوع، باب من نوى القيام فنام، برقم ١٣١٤، ومالك في الموطأ، ١/ ١١٧، وصححه الألباني في صحيح سنن النسائي، ١/ ٣٨٦، وفي إرواء الغليل، ٢/ ٢٠٥.
(٣) النسائي، كتاب قيام الليل وتطوع النهار، باب من أتى فراشه وهو ينوي القيام فنام، برقم ٦٨٧، وصححه الألباني في إرواء الغليل، برقم ٤٥٤، وفي صحيح سنن النسائي، ١/ ٣٨٦.
1 / 18
٢ - يمسح النوم عن وجهه عند الاستيقاظ، ويذكر الله، ويشوص فاه بالسواك ويقول: «لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد، وهو على كل شيء قدير، سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلا الله، والله أكبر، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم، ربِّ اغفر لي»؛لحديث عبادة بن الصامت ﵁ عن النبي ﷺ قال: «من تعارَّ من الليل فقال: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد، وهو على كل شيء قدير، الحمد لله، وسبحان الله، ولا إله إلا الله، والله أكبر، ولا حول ولا قوة إلا بالله، ثم قال: اللهم اغفر لي، أو دعا استجيب [له] (١» (٢).
وفي حديث ابن عباس ﵄ قال: «... استيقظ رسول الله ﷺ فجعل يمسح النوم عن وجهه بيده ثم قرأ العشر
_________
(١) ذكر الحافظ ابن حجر في فتح الباري، ٣/ ٤١ أن قوله «له» زادها الأصيلي، قال: «وكذا في الروايات الأخرى» قلت: زادها ابن ماجه في سننه، برقم ٣٨٧٨، وصححه الألباني في صحيح سنن ابن ماجه، ٢/ ٣٣٥.
(٢) البخاري، كتاب التهجد، باب فضل من تعار من الليل فصلى، برقم ١١٥٤.
1 / 19
الآيات الخواتيم من سورة آل عمران ...» (١)، وعن حذيفة ﵁ قال: «كان النبي ﷺ إذا قام من الليل يشوص فاه بالسواك» (٢)، ويقول أذكار الاستيقاظ من النوم الأخرى (٣)، ويتوضأ كما أمره الله تعالى.
٣ - يفتتح تهجّدَه بركعتين خفيفتين؛ لفعل النبي ﷺ وقوله، لحديث عائشة ﵂ قالت: «كان رسول الله ﷺ إذا قام من الليل ليصلي افتتح صلاته بركعتين خفيفتين» (٤)؛ ولحديث أبي هريرة ﵁ عن النبي ﷺ قال: «إذا قام أحدكم من الليل فليفتتح صلاته بركعتين خفيفتين» (٥).
٤ - يُستحبُّ أن يكون تهجدُه في بيته؛ لأن النبي ﷺ كان
_________
(١) مسلم، كتاب صلاة المسافرين، باب صلاة النبي ﷺ ودعائه بالليل، برقم ١٨٢ - (٧٦٣) وأصل الحديث متفق عليه.
(٢) متفق عليه: البخاري، كتاب الغسل، باب السواك، برقم ٢٤٥، ومسلم، كتاب الطهارة، باب السواك، برقم ٢٥٤.
(٣) انظر، حصن المسلم، للمؤلف ص١٢ - ١٦.
(٤) مسلم، كتاب صلاة المسافرين، باب صلاة النبي ﷺ ودعائه بالليل، برقم ٧٦٧.
(٥) مسلم، كتاب صلاة المسافرين، باب صلاة النبي ﷺ ودعائه بالليل، برقم ٧٦٨.
1 / 20
يتهجَّد في بيته؛ ولحديث زيد بن ثابت ﵁ أن النبي ﷺ قال: «... فعليكم بالصلاة في بيوتكم، فإن خير صلاة المرء في بيته إلا المكتوبة» (١).
٥ - المداومة على قيام الليل وعدم قطعه، يُستحب أن يكون للمسلم ركعات معلومة يداوم عليها، فإذا نشط طوَّلها وإذا لم ينشط خفَّفها، وإذا فاتته قضاها؛ لحديث عائشة ﵂ عن النبي ﷺ قال: «خذوا من الأعمال ما تطيقون فإن الله لا يملُّ حتى تملّوا» وكان يقول: «أحب العمل إلى الله ما داوم عليه صاحبه وإن قلّ» (٢)؛ ولحديث عبد الله بن عمرو بن العاص ﵄ قال: قال لي النبي ﷺ: «يا عبد الله لا تكن مثل فلان كان يقوم الليل فترك قيام الليل» (٣)؛ ولحديث عائشة ﵂ قالت: «... وكان رسول الله ﷺ إذا صلى صلاة أحبّ أن يداوم عليها،
_________
(١) متفق عليه: البخاري، برقم ٧٣١، ومسلم واللفظ له، برقم ٧٨١، وتقدم تخريجه.
(٢) متفق عليه: البخاري، برقم ٩٧٠، ومسلم برقم ٧٨٢، واللفظ له، وتقدم تخريجه.
(٣) متفق عليه: البخاري، برقم ١١٥٢، ومسلم، برقم ١١٥٩، ويأتي تخريجه.
1 / 21