Qissatuna Maʻa Al-Yahood
قصتنا مع اليهود
Daabacaha
دار المنارة للنشر والتوزيع
Lambarka Daabacaadda
الأولى
Sanadka Daabacaadda
١٤١١ هـ - ١٩٩٠ م
Goobta Daabacaadda
جدة - المملكة العربية السعودية
Noocyada
قصتنا مع اليهود
تأليف
علي الطنطاوي
نشر وتوزيع
دار المنارة
جدة - السعودية
1 / 1
بسم الله الرحمن الرحيم
1 / 3
جميع الحقوق محفوظة
الطبعة الأولى
١٤١١ هـ - ١٩٩٠ م
دار المنارة
ص ب ١٢٥٠ جدة ٢١٤٣١ المملكة العربية السعودية
هاتف ٦٦٠٣٦٥٢ فاكس ٦٦٠٣٢٣٨ المستودع ٦٦٧٥٨٦٤
1 / 4
قصتنا مع اليهود
لقد رأت هذه الأمة في تاريخها الطويل، من النصر والهزيمة، والأيام البيض والأيام السود، ما تراه كل أمة، ولكن الذي تواجهه أمة محمد الآن أشد من كل ما واجهت في سالف الأيام، إن أعداءها يكيدون لها الآن كيدًا (مدروسًا)، يُعدون لحربها خططًا تعمل لها عقول كبيرة جدًا، وتُنْفق عليها أموال كثيرة جدًا، وتسندها جماعات (بل دول) قوية جدًا، ولا نيأس مع ذلك كلِّه من الظفر، لأن الله وضع لنا في أمور الدنيا وأمور الآخرة سننًا لا تختلف، هي مثل السنن التي سنَّها الله للوجود، أعني القوانين التي نسميها القوانين الطبيعية، لا يؤثر فيها اختلاف المكان ولا الزمان: قانون الجاذبية مثلًا الذي وضعه الله يوم خلق العالم، واكتشفه (نيوتون) من قريب، يسري في البلاد التي تتلهب من الحرِّ عند خط الاستواء، وفي الجبال التي يُغطي
1 / 5
هامها الثلج، عند القطبين، وتَنْفُذُ الآن كمال نفذت قبل قرون وستظل بعد قرون وقرون منها أن (العاقبة للتقوى) وأن للباطل صولة، ولكن الظفر للحق.
ولما قبضة رسول الله عليه صلاة الله، ارتد العرب عن دينه، أو أرادوا هدم ركن من أركانه هو الزكاة، وحسب ناس أنها نهاية الإسلام، فما هي إلا أن قام رجل واحد يهزُّ راية القرآن، ويضرب بسيف محمد حتى عاد المرتدون إلى الدين، وعاد الإسلام أقوى مما كان.
ويوم وقفت لنا أوربة كلها وكانت جيوش الصليبين أولها في القسطنطينية وآخرها في وسط أوربة، وتوالت الحملات، واشتد البلاء، وغدت لهم في الشام دول وإمارات، ولبثت القدس نفسها في أيديهم أكثر من تسعين سنة ثم كتب الله النصر للحق.
ويوم سال سيل المغول من الشرق، كما جاء سيل الصليبين من الغرب، وجرف الدول، وهدَّ العروس، وأخذ في طريقه أعظم مدن الأرض يومئذ: بغداد التي كان فيها
1 / 6
مليونان من البشر في تلك الأيام، والتي كانت عاصمة الدنيا، كل حسن فيها يحمل إليها. وأُلقيت كتبها في دجلة حتى اسود منه ماؤها عند الضفتين، وما ذاب في الحبر الذي كتبت به، ولكن ثمرات العقول ونتاج الأدمغة، وخلاصة الفكر البشري.
وما حاق بالمسلمين من قبل ومن بعد من نكبات وأرزاء، فما ضرّها ذلك كله، لأنها كانت تعرف كيف تدُّ يدها إلى السلاح (والسلاح قريب منها)، فتوجهه إلى أعدائها، وتعرف كيف تشعل المصباح (والمصباح عندها)، فتبدِّدُ به الظلام من حولها. وما المصباح إلا هذا القرآن، وما السلاح إلا القلوب المؤمنة، والعقول المفكرة واليَدُ العاملة التي تعرف كيف تعدُّ القوة لحرب عدوِّها، مبتغية بذلك رضا ربها، لا نيل المكاسب من دنياها وآخر ما ابتليت به الاستعمار:
لقد فتحت عيني على الدنيا في أوائل هذا القرن الميلادي وما في ديار الإسلام بقعة لم يدخلها أو يَحُمْ حولها الاستعمار، إلا هذه الجزيرة التي عصمها الله أن
1 / 7
تطأها نعال جندي أجنبي، أو ترفرف عليها رايته، ولقد كنت أظن وأنا صغير أن من أصعب الصعب طرد المستعمر من أرضنا، فسَّهل الله الصعب، وأدني البعيد، وعادت البلاد إلى أهلها.
لم يأتنا الاستقلال عفوًا بلا تعب، ولكن بذلنا له أرواحنا، وأرقنا دماءنا، وجاهدنا، وجالدنا، وعملنا كل ما استطلعنا.
وانجلت الحرب الكبرى وإذا نحن نُبتلى بما هو شر مما كنا فيه، ابتلينا بشرار الخلق وأخسِّ الأمم. اليهود. لا الذين اتبعوا موسى وآمنوا به، بل الذين كفروا بموسى وعيسى كما يكفرون بمحمد، وبدلوا دينهم وكانوا شيعًا، يختلف طريقها ولكن تتحدُّ في عداوتنا غاياتها.
وكذلك يصنع الاّخرون، إنهم إذ كان موقف فيه حرب الإسلام كانوا جميعًا علينا. كان بين أمريكا وروسيا ما صنع الحداد (والنجار، والذي يعمل الرشاشات والمدافع). كانوا يختلفون على كل شيء. ولكن لما قامت هذه الدولة التي
1 / 8
ولدت لغير أب شرعي، والتي جاءت مسخًا مشوهًا، دولة إسرائيل، تسابقت الدولتان إلى الاعتراف بها، ومباركة ولادتها قبل أن تبلغ يومًا وليلة من عمرها. ابتلينا باليهود.
ولو أني بُليت بهاشمي ... خؤولته بنو عبد المدان
لهان عليَّ ما ألقى ولكن ... تعالوا فانظروا بمن ابتلاني
* * *
زعم اليهود أنهم مظلومون، وأنهم قد نكّل بهم وأُوذوا، وأن هتلر أباد خضراءهم وقتل أبناءهم، فتحركت (الرحمة!) في قلوب الأقوياء من دول الأرض فأرادوا أن يجدوا لهم دارًا فلم يجدوا إلا أرضنا، فأجبرونا أن نخرج من مساكننا، وأن نمنحهم خيرات بلادنا، وجاء وزير المتمدنين الذين يلبسون جلود الظباء على أجساد الذئاب، فأعطاهم (وعدًا) بأن يجعل لهم من قلب بلادنا ملجأً: يمنحهم ما لا يَمْلكْ، وهم لا يستحقون ما منح، فكانت فضيحة التاريخ البشري التي لم يُسمع بمثلها في حاضر ولا غابر، وها هم أولاء اليوم يدعوننا إلى السلام ونبذ الحرب يقولون: أليس السلام خيرًا لكم، فلماذا تراق الدماء، وتزهق الأرواح؟
1 / 9
إن السلام الذي يدعوننا إليه كالسلام بين اللص الذي اقتحم دارك وقتل بعض أهلك، وسكن في بعض منزلك، فلما أردت أن تخرجه، قال: انظروا إلى هذا (الإرهابيّ) ...
ودعوا إلى الاجتماع على حرب الإرهاب (١).
لقد هببنا ندافع عن أرضنا، وهذا الدفاع حق لنا، ومن يسكت على من يحتل أرضه؟ أترضى أمريكا أو إنكلترا، لو سرق عدوُّ لها لقطعة من أرضها عند واشنطن ولندن، وقتل ونهب وارتكب السبع الموبقات ثم قال: لماذا القتال؟ تعالوا يا جماعة نتفاهم.
كنا سنة ١٩٤٨ نقاتل ولاحت لنا تباشير النصر، فأكرهونا على (هدنة) شَلَّتْ أيدينا، ومكنت لعدونا، وكان بنا نقص في القوة وفي التجربة، فخدعنا وصدقنا، فتمكن
_________
(١) إننا نسمع كل يوم عن فلسطيني أخذ بتهمة (مقاومة الاحتلال) فهل تكون تهمة مقاومة الحرامي المجرم الذي جاء يحتل دارك؟.
1 / 10
اليهود منا وضربوا ضربة الجبان، والجبان إذا تمكن جمع قوته كلها وضرب ضربة واحدة، لا يقدر على غيرها، يضربها في ظلمة الليل، فيكون فيها نجاته أو مماته.
وقد انقضى الآن الليل، وتنبه الغافل، وكبر الصغير واشتد عوده، هل ترون الشجيرات التي تزرع على حافات الشوارع تكون ضعيفة فيمسكونها في قفص من الحديد، تعتمد عليه ولكنه يكون كالقيد لها، فإذا غلظ ساقها، واعتمدت على نفسها، نبذت القفص عنها. أو استدار عليه جذعها فاحتواه.
فنحن اليوم كالشجرة التي اشتد عودها، وكنا يومًا كالغصن الطري الذي كان يحتاج إلى ما يدعمه ويعمده.
لقد بدأت الأمور ترجع إلى نصابها، وانزاحت الغشاوة قليلًا فرآها الناس على حقيقتها، وما أزاحها إلا حرب رمضان. أعني حرب اكتوبر أو تشرين، صغرت إسرائيل في عيونهم بعد تلك الحرب وزادت صغارًا بعد هذه الانتفاضة المباركة، كانت كالبالون الذي يلعب به الأولاد، فأصابه
1 / 11
ثقب ... فخرج منه بعض الهواء، لقد بدأت إسرائيل تفتضح وتظهر حقائقها، حتى إذاعة إسرائيل صارت بعدها هزأة ولم يعد يصدقها أحد، حتى دعايتها وإعلامها التي طالما خوَّفت به، لم تستطع يومًا أن تصنع شيئًا مع كرايسكي مستشمار النمسا، مع أنه يهودي تنصَّر، سلطت إسرائيل عليه سيوف إعلامها، واستعانت عليه بأنصارها وحماتها، وضغطت عليه بكل قواها، حتى تدخل نيكسون بذاته، وذهبت عجوز النحس كولدا مائير بذاتها، ليعيد فتح (ممر الشر) في (شوناو). الذي مرّ منه إلى إسرائيل ثمانون ألفًا فيهم كثير من أهل الفكر أو الفن أو الصناعة ليكونوا جنودًا لإسرائيل في حربنا، فعادت إسرائيل بإعلامها وحماتها ورئيسة وزرائها بالخيبة والهوان، وكان ذلك في حرب رمضان.
بكتْ إسرائيل وشكت أننا هاجمناها في يوم الغفران، ولم نحترم مقدساتها ... ! وأنا أسال أولًا من قال لإسرائيل أنها قد ضمنت الغفران وحددت له يومًا؟ كذبت إسرائيل. إن الله لا يغفر أن يشرك به، وإسرائيل (أعني شعبها لا
1 / 12
إسرائيل الذي هو يعقوب نبيُّ الله ﵇ إسرائيل أشركت حين قالت عزيرٌ ابن الله، تعالى الله أن يكون له ولد، أو يكون له كفوًا أحد. ما كان الله ليغفر لمن قتلوا النبيين، وكذبوهم، وافتروا عليهم، ولم يدعو في قاموس الجرائم جريمة لم يرتكبوها، فَعَدُّوا عن قصة الغفران هذه، ويوم الغفران، فليس أمامكم إلا النار، تصلونها في الدنيا بأيدينا بعون الله، ولنار الآخرة أشدّ.
أما المقدسات، فما أوقح إسرائيل ... هل احترمت مقدسات أحد حتى تطالب بأن تحترم مقدساتها التي لا قداسة لها؟ أما أحرقت المسجد الأقصى؟ أما حاولت زعزعة أساسه؟ وهزَّ أركانه، لعله يسقط؟ أما حفروا بحذاء جداره -ينزلون في بطن الأرض يأملون أن يصلوا إلى الأساس فيظهر تحته أثر من هيكل سليمان- تبلغ الحفر أكثر من خمسة عشر مترًا. وليس أمامهم إلا جدار الأقصى، ولو حفروا بحذاء قلعة خمسة مترا لتزعزع جدارها ومالت للنهار.
أما دنسوا وآذوا كنيسة القيامة التي يقدسها النصارى وسرقوها؟ سرقوا الكنيسة كما أحرقوا المسجد! ...
1 / 13
لصوص ومخربون، ويبكون ويشكون أن هاجمناهم في يوم عيدهم، وهم الذين لم يتركوا لأهل فلسطين عيدًا يعيّدون فيه، لقد حوَّل هؤلاء المجرمون أعيادهم مآتم.
هل رعَتْ إسرائيل مريضًا؟، أما خربت المستشفيات وقتلت المرضى والأطباء والممرضات؟
هل رعت طفولة؟ حتى تطلب أن يرعى الناس أطفالها؟
هل تذكرون أني قلت لكم عشرين مرة،- كررت القول حتى مللتم- أن إسرائيل ليست كما تظنون، إنها ضبع تعيش على الجيف وجَدَتْ جلد سبع أو قُدِّم لها فلبسته، وحملت شريطًا مسجلَاَ عليه زئير سبع فظنها الناس سبعًا، ثم قلدت أشعب فَصدَّقَتْ هي نفسها.
كان الناس يظنون أن استخبارات إسرائيل أقوى استخبارات على وجه الأرض، وإنها تعرف حركاتنا وسكناتنا، حتى لقد ظن ناس منا (وأستغفر الله الذي لا إله إلا هو) أنها تعلم ما تخفي صدورنا. فها هي ذي فوجئت
1 / 14
(يوم حرب رمضان) بالهجوم، ولم تستطع استخباراتها أن تحسَّ به أو تشم له رائحة ...
وبارك الله هؤلاء الزعماء الذي تعلَّموا من حرب ٩٦٧ فضيلة الكتمان، بل تعلموها من سيرة محمد ﷺ، إن محمدًا لقائد استطاع يوم الفتح أن يُخفي تحركات جيش من عشرة آلاف كان في جريرة العرب في تلك الأيام يُعَدُّ جيشًا ضخمًا، فيه من كل القبائل، ومع ذلك فقد سدَّ كل طريق يصل منه خبره إلى قريش.
ومعركة بدر الظافرة كانت بعدها هزيمة، وإن كان ثبات الرسول ﷺ وصحبه الكبار، ردَّ الهزيمة ظفرًا، ذلك لتعلموا أن الحروب سجال، والدهر دولاب، والدنيا ليل ونهار، والأرض صعود جبل وهبوط واد، ولكن العبرة بالنهاية، والأمور بخواتيمها، والنهاية لنا إن شاء أدبه، للإسلام، ما دمنا معه فالنصر لنا.
إن الذي صنعناه في رمضان شيء عجيب، تصوروا لو أن تَلًا من الرمال غير ممهد علوه عشرون مترًا كلفت صعوده لتعبت، فكيف إن كان حوله من يقذفك بالحجارة ليمنعك
1 / 15
من صعوده، فكيف إن كان بدل الحجارة الرصاص والبارود، فكيف إن كان هذا الرمل يُغطي حصونًا من يابس الصخر ومتين الأبرق (أي الإسمنت المسلح)، فيها المدافع والدبابات وأقوى المتفجرات، فكيف اقتحمها جنود مصر؟! أقوى وأحدث خط دفاع، كلف ٢٨٣ مليون دولار اجتازوه بأقدم وأضعف وسيلة هجوم، بسلم من خشب ثمنه ثلاث دولارات كيف تمت هذه الأعجوبة؟! ... بالإيمان ومعه ما يستلزمه الإيمان ويطلبه العقل والدين من الخطط والسلاح والكتمان، كل هذا لا بدَّ منه، ولكن كل هذا كأعضاء الجسد والإيمان الروح، وفي حرب ٩٦٧ كان عندنا هذا كله ولكن بلا روح الآن جاءت معه الروح، وهو نزول عجيب، لعله مثله نزول الحلفاء على ساحل نورماندي خلال الحرب الأخيرة، بل أعظم، وأحسب أن نزول المصريين يوم ٦ تشرين الأول ٩٧٣ على ضفة القناة الأخرى سيدخل في تاريخ الفن العسكري الذي يدرس في الكلية الحربية.
لقد دهش العالم وعجب مما رأى من جنودنا في سيناء
1 / 16
وفي الجولان، وكان عليه أن يعجب من هزيمتنا في حرب ٤٨ وحرب ٦٧ لا من ظفرنا في رمضان، العجب مما يأتي من غير أهله، ابن حاتم الطائي لا يعجب منه أحد إن كان كريمًا، لأن الولد سرُّ أبيه، (ومن يشابه أَبَه فما ظلم)، ولكن العجب أن يبخل ويشحَّ ابن حاتم الطائي.
تعجبين من سقمي؟ ... صحتي هي العجب
العجب أن يظفر اليهود الذين ضربت عليهم الذلَّة والمسكنة. لا أن يظفر أبناء من فتحوا الشرق والغرب، وكانوا سادة الدنيا وأساتيذها، على أننا ما غلبنا نحن في الحربين: ٤٨ و٦٧، ولا اليهود ظفروا، إنما غلبت فينا خلائق اليهود التي دخلت علينا في غفلة منا، خلائق الانقسام والتردد، وفقد الكتمان، وارتجال الخطط، والإصغاء لمشورة الأعداء.
صغرت إسرائيل أكثر لما بدأت هذه (الانتفاضة)، صبيان يقاتلون بالحجارة جيشًا يملك أعْتى وأقسى ما أوحى به الشيطان إلى أوليائه من وسائل القتل والتدمير والهلاك، وحسبوها فورة حماسة استمر ساعات لم تخمد، تمتد يومًا
1 / 17
أو يومين، فإذا هي تستمر الشهر والشهر الذي بعده، والشهور تتوالى والانتفاضة لا تزداد إلا قوَّة، ذلك بأنها ليست حركة وطنية، ولا قومية، ولا لمجرد استرداد الأرض، وطرد الواغل الدخيل منها، هذه كلها مقاصد قد تشترك في مثلها أمم الأرض، بل لأنها جهاد، جهاد بالمعنى الذي عرفه الإسلام، بذل الروح لله وحده، وابتغاء الجزاء منه وحده، جهادٌ مَنْ يظفر فيه يَظْفَر بنيل الأماني وبلوغ الغايات، ومن يَمُتْ يَنَلْ ما هو أكبر من مِتَع الدنيا كلها رضا الله والجنة،
كتب الله لهذه الانتفاضة الاستمرار والقوة، كما كتب مثل ذلك للحرب الجهادية في الأفغان لأنهما قامتا لله لا للدنيا، وما كان لله فهو المتصل.
رحم الله الملك العبقري عبدالعزيز الذي كان ينظر بنور الله: لما استعدت الدول العربية السبع لدخول فلسطين والقتال فيها، كان من رأيه أن نُسلِّح أهل فلسطين ونُمدُّهُم بالمال ونَدَعْ لهم حرب اليهود، لقد بدا الآن الدليل على صحة رأي عبدالعزيز.
1 / 18
هؤلاء الذين لا يملكون إلا حجارة أرضهم وأيديهم التي تطلقها، لو كان عندهم مثل سلاح اليهود، أو كان عندهم نصفه، أو رُبعه أو عُشْره هل كان يبقى اليهود في فلسطين؟
وعبقري عربي آخر، أستاذنا في كلية الحقوق سنة ١٩٣١ الذي مات مسلمًا لما كان رئيس مجلس الأمن سنة ١٩٤٧ وقال كلمته المشهورة: إنَّ قضية فلسطين لا تُحلُّ في أورقة مجلس الأمن بل تُحلُّ على ثرى فلسطين.
إنكم ترون أننا بحجارة أرضنا، وسواعد أبنائنا، نكاد نطرد الكلاب من بلادنا.
إن الذين دعوتموهم جنود الحجارة ما ضعفوا وما استكانوا، جادوا بأرواحهم (والجود بالروح أقصى غاية الجود) ثبتوا هذه الأيام الطوال فما عليهم ملام، ولكن نحن، نحن المسلمين الذين فرض الله علينا أخوتهم، وأوجب علينا نصرتهم نحن ألا نُلام؟.
لندعهم وحدهم يواجهون بالحجارة الدبابات والمدافع والرصاص والغاز الخانق وهاتيك الأهوال والمصائب،
1 / 19
ويكفينا في شرع الله، في أدب الفروسية، في قواعد الشرف، أن نراهم في (الرائي) وأن نسمع عنهم في الإذاعات، وأن نُعجب بهم وأن نُصفق لهم:
فيمَ التقاطع في الإسلام ويحكُمُ ... وأنتم يا عباد الله إِخوان
ألا نفوس أبيات لها همم ... أما على الخير أنصار وأعوان
أسباب النصر رجال وسلاح، فما الذي ينقصنا منها؟ هل ينقصنا العَدَدْ، أم العُدَدْ، أم العلم؟ أما العدد فنحن، نحن المسلمين ألف مليون. فكم عدد اليهود؟ والعُدَدْ؟ إِن ما لدى المسلمين جميعًا منها أكثر مما لدى اليهود، وفي المسلمين جميعًا من العلماء أكثر من اليهود أو هم مثلهم، فيكف غلبونا؟. وكيف أخذوا منا قبلتنا الأولى ومسرى نبينا؟. إنهم (أولًا) ما غلبونا بأنفسهم، ولا هم بالذين يستطيعون أن يغلبونا أو أن يعدلونا، ولكن بالذين أعانوهم علينا، وأمدوهم بالمال والسلاح وبالناس، السلاح من الغرب من أمريكا، والناس من الشرق، من بولونيا وروسيا،
1 / 20
إنهم يختلفون فيما بينهم ولكن إذا جاءت عداوة الإسلام نسوا اختلافهم وصاروا صفًا واحدًا، ويدًا واحدة علينا. لما قامت هذه الدولة الباغية العاتبة التي سمَّوها دولة إسرائيل تسابقت أمريكان وروسيا إلى الاعتراف بها ومباركة مولدها.
ثم إنهم ما غلبونا (ثانيًا) بقوتهم لكن بضعفنا وتفرقنا وانقسامنا. الأب يؤدب أولاده إذا أساؤوا وعصوا، والله (ولله المُثُل العليا، تعالى الله أن يكون كمثله شيء) يأخذ عباده المؤمنين ببعض الألم ليعودوا إليه، ويبلوهم (أي يختبرهم) بشيء من الجوع والخوف ونقص من الأموال والأنفس والثمرات، يُنبههم إذا أساؤوا وانحرفوا ليحسنوا ويستقيموا، ونحن أسأنا وانحرفنا، أمرنا الله أن نتمسك بدينه، ونعتصم بحبله، ونكون جسدًا واحدًا له شعور واحد، وتكون رحمتنا وعاطفتنا لإخواننا، وشدَّتُنا وحِدَّتُنا على عدوّنا. فماذا صنعنا؟ هل أطعنا أمره؟ أم حِدْنا عن سبيله، وتركنا الحق من ديننا للباطل من دين عدوِّنا، وانقسمنا وصرنا شيعًا، وجعلنا شدتنا وقوتنا على إخوتنا، ولَطُفْنا وضَعُفْنا أمام عدونا، ولذلك عاقبنا الله فجعل امرأة عجوزًا تهددنا مرَّة
1 / 21