وإذا كان هيرودتس قد ولد سنة 484 قبل الميلاد، فليس يبعد أن يكون هوميروس قد ولد سنة 884 أو حوالي ذلك، أو أنه قد عاش بالفعل في القرنين التاسع والثامن ؛ أما ما قيل غير ذلك فلم تقم على إثباته حجة، ولم يؤيده برهان.
وتتنازع فخر مولده مدائن شتى، على أن الذي حققه المؤرخون ويؤيده ما جاء في ترتيلة أبوللو فهو أنه من مدينة خيوس الواقعة في الشاطئ الشرقي من الجزيرة المسماة باسمها والقريبة من مدينة أزمير، وهو لهذا إيونيوي (من إيونيا) بدليل أن أقدم نسختين من الإلياذة والأوديسة مكتوبتان بلغة إيونيا.
ويختلف المؤرخون في اسمه ومعناه، فيذكرون له أسماء معقدة لا داعي لذكرها هنا، ثم يفسرون اسمه فيقولون إن معناه «أعمى»، وإلى ذلك ذهب هيرودوتس، وهو يعلل ذلك بأن الاسم «هوميروس» مركب من هو - مي - أورون، ومعناها: الرجل الأعمى. ويتعصب هيرودوتس لهذا التأويل بالرغم من وجود تفاسير أخر قد تكون أقرب إلى المعقول من تفسيره هو؛ ذلك أن بعض القدماء يقولون: إن كلمة هوميروس قد تكون مشتقة من «هوميريدا»، وهي اسم لإحدى العشائر التي كانت تقطن جزيرة خيوس آنفة الذكر، وقد قطنوها برغمهم لأنهم كانوا أسرى حرب (رهائن) نفوا إلى تلك الجهة، وذاك بدليل أن كلمة هوميروس نفسها تحمل معنى أسير تحت الفدية، أي رهينة حرب.
ولم يضمن هوميروس إحدى ملحمتيه الخالدتين اسمه كما صنع هسيود في منظومته العظيمة «شجرة أنساب الآلهة»
Theogony ، فقد ذكر في مقدمتها اسمه الصريح، ثم ذكر في قصيدته الأخرى «الأرجا
Erga » كيف هاجر من كيمي إلى أسكرا، وكثيرا من حياته الخاصة وحياة أهله، ولو قد صنع هوميروس مثل هذا أو شيئا من هذا لما وقع المؤرخون في هذا الخلط الكثير عن شخصه وعن زمانه وعن حقيقته.
ولم يشر قط إلى السبب الذي ذهب ببصره. ويؤكد المؤرخون أنه قضى شطرا عظيما من عمره بصيرا سليم العينين بحيث استطاع أن يقرأ ويكتب ويسجل كثيرا مما نظم. ويذهب بعضهم إلى أنه بدأ نظم ملحمتيه - أو إحداهما - وهو بصير معافى.
وكل ما جاء في ذلك لا يعدو إشارة طارئة في آخر ترتيلة أبوللو يخاطب فيها العذارى اللائي كن يصغين إلى إنشاده: «إذا سألهن: أيما ظاعن - أي المنشدين - أحب إليهن وآثر إلى قلوبهن؟ أن يجبن على الفور: إنه رجل أعمى من قطان خيوس الجبوب المعزاء.
2
وإن أغانيه سيخلدن آخر الزمان!»
Bog aan la aqoon