وجر على نفسه غضب حيرا ومينرفا وكتبت التعاسة عليه وعلى قومه، ولم يلق إيونونيه بعدها!
باريس يعود
- «ألست تحن إلى وطنك، وتتمنى لو ترى والديك يا باريس؟» - «وطني ووالدي؟» - «...؟ ...» - «وهل لي وطن غير هذه المروج الخضر، ووالدان غير أبي الراعي وأمي المتداعية الفانية؟» - «مسكين!» - «بل أسعد الناس بأن أكون ابنهما! ولمه؟ أليس أبي سيد هذه الفلوات وأمي أعز الأمهات؟» - «ذلك حق لو أن أباك هذا الراعي يا باريس!» - «ماذا تعنين؟» - «أعني أنك لست ابنه!» - «وي! لو لم تكوني فينوس لقتلتك!» - «الحق أقول أيها العزيز!» - «أنت تعذبينني! ابن من إذن؟» - «أترى إلى جمالك البارع وجسمك الممشوق السمهري؟ أيكون هذا الخلق من نسل الرعاة الأجلاف؟» - «...؟ ...» - «أتدور بك الأرض إذا علمت أنك ابن ملك؟» - «سخرية وهزؤ، إلام تلذعين فؤادي يا ربة الحسن والحب؟ ألأني أعطيتك التفاحة الخالدة؟» - «الآلهة لا تكذب يا باريس!» - «أنا؟ ... أبي ... ملك؟ ... هذا الراعي؟! ... ملك ماذا؟» - «ليس هذا الراعي قلت لك! أنت لست ابنه! أنت سليل الملوك الصيد!» - «إذن من عسى أن يكون أبي؟» - «ملك طروادة!» - «ملك طروادة أبي؟ بريام؟!» - «هو ... هو ...» - «ها ها ها ... ومن جاء بي هنا؟ ... سرقوني؟ أليس كذلك؟» - «لا تنس يا باريس أنك في حضرة فينوس، وأقولها لك كرة أخرى: إن الآلهة لا تكذب، أجل أنت ابن بريام ملك طروادة، قيل له إنك تجر عليه ألوانا من العذاب فصدق، وأرسل بك من تركك فوق جبل بعيد لتأكلك الذئاب، كل هذا إذ أنت طفل صغير وليد، ولقد عثر بك ذلك الراعي الذي تحسبه أباك، ففرح بك وقال لامرأته: عسى أن يكون لنا منه ولد، والآن، لقد وعدتك زوجة جميلة، أجمل امرأة في العالم، فاذهب أولا إلى طروادة، والق أباك فإنه سيعرفك لأن له أبناء خلقهم كخلقك، وسيحدثه قلبه، وتكلمه روحه أنك ابنه، سيفرح بك بريام يا باريس، وسيخفق قلب هكيوبا، أمك التي تبكي من أجلك وتتمناك بنصف ملكها!
فإذا اطمأنوا بك ولبثت فيهم أياما فأبد لهم رغبتك في الإبحار إلى بلاد الإغريق في أسطول كبير، إلى أسبرطة، إن ثمة المرأة التي وعدتك، أجمل نساء العالم.»
وغابت فينوس! •••
وجلس باريس على صخرة تشرف على البحر المضطرب من جهة وعلى السفح المعشوشب المصطخب بالحياة من جهة أخرى، ثم أخذ يفكر في كل كلمة انفرجت عنها شفتا فينوس. «ترى؟! أصحيح ما قالته فينوس؟ أصحيح أن بريام أبي؟ ألا أنادي الراعي أبي بعد اليوم؟ وأنت أيتها الشاء والنعم : أفراق لا لقاء بعده؟ وا أسفاه! لم لقيت فينوس؟ عزيز علي أن أهجرك إلى الأبد أيتها البطاح! وأنت أيتها السماء الحبيبة؟ بم أستبدل قلائدك الدرية في الليل وشمسك الدافئة وسحبك الموشاة بالذهب في النهار؟!»
الآلهة لا تكذب! هكذا كانت تقول فينوس! أنا إذن ابن ملك! وأبي لا بد أن يكون غرا ضيق العطن وإلا فلم صدق ما ذكرته له الكهنة عني؟ طفل صغير ينبذ بالعراء لتأكله السباع! يا لقساوة القلوب وتحجر الأكباد؟! وأمي؟ أين كانت أمي؟ وأين كان قلب الأم في هذه المرأة؟ كيف سهل عليها أن تدعني ينطلق بي لأنبذ بالعراء فريسة لا حول لها لكلاب الجبل وطعمة شقية لسباع البرية؟!»
لا بد أن أذهب! لا بد أن أعلم حقيقة أمري! وداعا أيها البحر!
رجاها أبوللو أن تكون له وأن ترتضيه لها بعلا، ووعدها لقاء ذلك أن يبني لها القصور الشماء في قبة السماء، وأن يحملها معه أبدا في رحلاته العلوية فوق مركب الشمس فترى كل ما يدب على الأرض، وأغراها بالتوسط لدى كبير الآلهة زيوس الأعظم فيمنحها الخلود وربما رفعها إلى صفوف الآلهة أنفسهم، بيد أنها ما كانت لتزداد إلا شماسا وعنادا.
ولما ضاق أبوللو بها ذرعا صب جام غضبه عليها، وسلط عليها سخرية سامعيها، فما تقول شيئا ولا تتنبأ بشيء ولا تكشف غيبا إلا استهزأ بها الناس وعيروها بأنها تكذب وتهرف وتدعي!
Bog aan la aqoon