Sheekada Abuurka: Iloobo Buugga Bilowga
قصة الخلق: منابع سفر التكوين
Noocyada
ولنقف الآن قليلا مع ما جاء في هذه الأسطورة، التي أراها أول تسجيل حقيقي اكتشف حتى الآن لقصة الخطيئة الأولى! فنتساءل: لماذا غضبت «ننهور ساج» كل هذا الغضب على «آنكي» لو لم تكن قد أنذرته سلفا، وحرمت عليه هذه الثمار قبلا، وأعلمته بذلك إعلاما واضحا؟ ومع ملاحظة أن النص به خروم وتشوهات كثيرة أدت لفقد كثير من الأبيات والمضامين! إذن من المنطقي أن يكون هناك علم مسبق أحيط به «آنكي» برغبة «ننهور ساج» عدم المساس بالنباتات الثمانية، وعندما عصى الأمر كان عقابه الموت «لن أنظر إليك بعين الحياة حتى تموت.» ويبقى التساؤل: كيف يمكن لإله مفترض فيه الخلود، أن يمرض ويموت؟! من هنا نفهم أن الأسطورة اعتبرت «آنكي» الأب الأول. وطبيعي أن يتصف بالألوهية بحسبان عبادة الأب الأول، بخاصة ما جاء في بداية الأسطورة بعد تقريظ دلمون كأرض طهور نظيفة، وفجأة وبلا مقدمات تقول: «هو ذلك الذي اضطجع وحده في دلمون.» إنها صورة تلقي بنا في مرآة الزمان الآتي، عند ظهور التوراة وما قالته عن أب للبشر يعيش وحيدا في مكان يسمى الجنة، ثم تقول أسطورتنا عن «دلمون» «إنها المحل الذي اضجع فيه آنكي مع زوجته.» فمن كانت هذه الزوجة؟
هل قصدت الأسطورة بالزوجة الإلهة «ننهور ساج»؟ ربما؛ لكن الأحداث التي تلت مرض «آنكي» تشير إلى منحى آخر، رغم عدم النص عليه في نصنا هذا المهترئ، لأن مرض «آنكي» كان في واحد أضلاعه، واتفقنا أن شفاءه تم بنزع الضلع المريض ليصبح هذا الضلع هو «نن تي» سيدة الضلع، فكان «آنكي» بذلك إلها معرضا للموت بسبب خطيئته، وهو ما يتعارض مع صفة الخلود الإلهية. وكان يجمع في ذاته الذكورة والأنوثة معا، فهو ذكر خلقت من ضلعه أنثى ليتحول الخلود الفردي الذاتي بالانقسام إلى خلود للنوع عبر تناسل الذكر والأنثى، وعليه تتضح عدة حقائق هي:
كان للآلهة دار طهارة وسلام للمقام هي «دلمون».
في دلمون حدثت أول عملية خلق للنبات عن طريق تخصيب «آنكي» ل «ننهور ساج» لتنجب إلهة النبات. «ننهور ساج» تخلق بمفردها ثمانية نباتات محرمة.
يأكل «آنكي» النبات المحرم فتحيق به اللعنة الربانية فيمرض بضلعه ويحتضر، لولا نزع هذا الضلع المريض منه، وتخلق منه سيدة الضلع أولى إناث البشرية.
يفقد آنكي بذلك ألوهيته كسائل مخصب كوني، ويتحول خلوده الإلهي إلى خلود عبر التناسل. وهنا في رأيي تكمن العلاقة بين «آنكي» وبين «إنسي» فتحول «آنكي» إلى «إنسي» مهمته التخصيب المستمر لسيدة الضلع «نن تي» أو «نن تو» أو «سيدة الولادة» أو «ماما» أو «مامي» أو «أماه».
ولا يبقى لكي تترتب المسألة بشكل أفضل سوى أن نستكملها بالختم الأسطواني الذي صور ذكرا وأنثى يأكلان من ثمار نخلة، بإيعاز من الحية «والحية رمز جنسي» لنسد به الثغرات الناقصة في النص، ليصبح أكل الثمرة المحرمة هو رمز لممارسة الجنس مع أخرى غير «ننهور ساج»، مما استوجب غضبها ولعنتها، ولم تكن هذه الأخرى سوى «نن تي » أو «ننتو» أو «أنتي» أو الأنثى الأم الوالدة الأولى، بينما أصبح آنكي هو «إنسي» صاحب المني المقدس، بينما تحولت ثمار النخلة «التمر» (وهى رمز نن تي شافية المرض التي مارس معها الجنس آنكي، ولنلحظ نواة التمر المفلوقة وحبة القمح المفلوقة)، لتصبح ثمرا مقدسا وشافيا ومثيرا للغلمة والشهوة، وسببا لمزيد من مني الرجل وخصبه حتى اليوم؛ بل نعتقد أن كلمة «تمر» لغة، هي التي أصبحت بعد ذلك «ثمر»، لتدل على وجه الإطلاق على جميع أنواع الثمار بمعنى أنها كانت الأصل الأول للثمر عموما وللخصب عموما، ومثلها القمح وكل حب مفلوق (ولنلحظ العلاقة اللغوية بين الحب، والحب)، فكان التمر والحبوب، الثمار الأم الأولى في «دلمون» إلى جوار الأب الأول «آنكي» أو «إنسي» والأم الأولى «نن تي» أو «أنثى».
وبما أن «دلمون» يشار إليها في الأساطير السومرية كمركز إلهي خالد يخالف دنيا السومريين في الرافدين، فقد بات واضحا أن «آنكي» الإله الذي فقد الخلود، و«نن تي» زوجته، أو الإنسي والأنثى كأبوين للبشر، قد غادرا هذا المقر الإلهي من زمان بعيد، ليعيشا عيشة إنسانية، بينما ظلت «دلمون» موطن الآلهة الخالدة في الأساطير.
العالم التحت أرضي
إذا كان آنكي إلها فقد الخلود وأصبح «إنسي»، فهل كان ممكنا في العقائد السومرية أن يتحول الإنسان إلى إله؟ أو بصيغة أخرى، هل كان ممكنا في الاعتقاد السومري أن يحصل البشر على الخلود الدائم؟
Bog aan la aqoon