لا يفهم مما أقول أنني كنت أدعو إلى التفريق بين العناصر المؤلفة لكتلة السكان المصريين، بل على ضد ذلك كنت أدعو للجامعة المصرية، دعوت الذين يتبرمون بالجنسية المصرية التي كسبوها بالإقامة في مصر أن لا يفروا بأحاديثهم وبأعمالهم من الانتساب إلى هذه الجنسية الشريفة، يقيمون بأجسامهم في مصر، وعقولهم وقلوبهم تتجه غالبا خارج حدودها؛ إلى الأوطان التي ضنت عليهم بخيرها.
إن مصريتنا تقضي علينا أن يكون وطننا هو قبلتنا وأن نكرم أنفسنا ونكرم وطننا فلا ننتسب إلى وطن غيره، ونخصه بخيرنا، والانتساب إلى مصر شرف عظيم؛ فقد ولدت التمدن مرتين، ولها من الثروة الطبيعية والتاريخية ما يكفل لها الرقي متى كرم أهلوها، وعزت نفوسهم، وكبرت أطماعهم، فاستردوا شرفها وسموا بها إلى مجد آبائهم الأولين.
أول نقابة للصحافة
في نحو سنة 1912 دعونا إلى تأليف نقابة للصحافة المصرية، وقد استجاب الصحفيون على اختلاف ألوانهم إلى هذه الدعوة، واجتمعت الجمعية العمومية، ثم انتخبت مسيو كانيفيه صاحب جورنال «الريفورم» بالإسكندرية نقيبا، وانتخبت الأستاذ فارس نمر وإياي وكيلين، كما انتخبت كلا من جبرائيل تقلا صاحب «الأهرام»، ومسيو فيزييه صاحب جورنال «لوكير» سكرتيرا، وأذكر أني مثلت هذه النقابة أنا ومسيو فيزييه في حفلة افتتاح معصرة كوم إمبو، وقد خطب في هذه الحفلة كل من: يوسف قطاوي باشا، وأحمد شفيق باشا، ولم تعمر هذه النقابة طويلا؛ لأن الحرب العالمية الأولى أتت عليها، ولكنها كانت أول محاولة لنقابة الصحفيين في مصر.
في انتخابات الجمعية التشريعية
في سنة 1913 ألغي مجلس شورى القوانين وحل محله نظام الجمعية التشريعية، وكان لا بد لي من الدخول في عضويتها لأزيد صوتا على أصوات حزبنا في الجمعية، فدخلت في انتخاباتها، وكان صديقي فتحي باشا زغلول يعلم أن الإنجليز أوعزوا بإسقاطي أنا وسعد زغلول باشا في هذه الانتخابات، فأشار علي بألا أتقدم إليها حتى لا يذهب سعيي سدى، فقابلت مستشار الداخلية مستر جراهام وسألته عما بلغني في ذلك، فأكد لي أن الانتخابات ستكون حرة وأن الحكومة ستكون على الحياد، ولشد ما كان عجبي حين وجدت على باب مركز السنبلاوين عربة سعيد باشا ذو الفقار وزير المالية الجديد، وعلمت وقتئذ أنه لما عين وزيرا بعد أن كان مديرا للدقهلية طلب إليه أن يدير هو الانتخابات دون المدير الجديد حافظ حسن باشا الذي كانت الحكومة تعلم أنه صديقي، وعلى هذا الوضع سقطت في الانتخابات، ولكن سعد باشا زغلول نجح بالقاهرة في دائرتين، وأرسل إلي تلغرافا يقول لي فيه:
لئن سقطت في الانتخاب، فلك عطف العقلاء.
وقد أشيع أن الذي أسقطني هو دعوتي إلى الديمقراطية التي كانت تؤول تأويلات بين الناخبين فيها خروج على الدين الإسلامي، ولكني لا أعرف شيئا عن هذه الإشاعة التي قيل: إنها شاعت بين الناخبين، كما لا أعرف سببا لسقوطي في الانتخابات إلا تدخل الحكومة، وعملها لإسقاطي!
الصلح مع الخديو
في أوائل سنة 1914 طلب إلي محمد سعيد باشا مرة، وسعد زغلول باشا مرة أخرى أن أطلب مقابلة الخديو عباس؛ لأنه يرغب في لقائي، فكانت إجابتي دائما: «إذا كان الخديو يريد أن يتفضل بلقائي فليدعني هو إلى ذلك.»
Bog aan la aqoon