Sheekada Falsafada Giriigga
قصة الفلسفة اليونانية
Noocyada
ومن تلك الآثار الذهنية التي تطبعها الحواس على صفحة الذهن تتكون لدينا المدركات الكلية عن الأجناس بواسطة الذاكرة؛ لأنها تحتفظ بالمعلومات الجزئية المتفرقة، ثم تعيدها إلينا عند الموازنة والمقارنة لنصل إلى حكم كلي، وما دامت هذه الأحكام الكلية منشؤها المدركات الحسية وهذه الأخيرة حق فالأولى حق كذلك، أي يمكن اعتبارها مقياسا للحقيقة كالإدراكات الحسية والشعور سواء بسواء، وهناك شيء رابع هو الخيال، فيرى أبيقور أنه يتكون مما يكون في النفس من صور جاءتها بها الحواس من قبل، وإذن فالخيال كذلك مقياس صحيح تقاس به الحقيقة، فإن كان الإدراك الحسي، والشعور باللذة والألم، والإدراك الكلي، والخيال، مقاييس للحقيقة لا تخطئ ولا تزل، فمن أين يجيئنا الخطأ إذن؟ يجيب أبيقور: إننا نتعرض للخطأ في الرأي عندما نتجاوز ما أتت به الحواس، فنحاول أن نستنتج منه شيئا بدون وساطة الحواس، كأن نصدر حكما عن المستقبل بناء على الماضي، أو نرى رأيا في الأسباب الخفية التي تختبئ وراء ظواهر الطبيعة؛ ولذا فأبيقور يحذرنا ألا نعدو في مثل هذه الأحكام ما عرفناه من تجربتنا العملية التي منشؤها الحواس. (1-2) علم الطبيعة
لم يهتم أبيقور بعلم الطبيعة إلا من ناحية فائدتها في إزالة المخاوف الخرافية من عقل الإنسان، فهو يقول إن الإنسان قد ملئ خوفا من الله ومن العقاب على أعماله، ومن الموت بسبب ما قيل عن الحياة بعد الموت - وهذا الخوف أكبر منغص لحياة الإنسان ومضيع لسعادته، فإذا ذهب الخوف تخلصنا من أكبر عائق يعوق السعادة - ولا وسيلة إلى إزالة هذا الخوف إلا بدراسة الطبيعة، وفهمنا أن هذا العالم آلة ميكانيكية، محكوم بأسباب طبيعية لها نتائجها الطبيعية، وليس فيه كائنات فوق الطبيعة، والإنسان في هذا العالم حر، يبحث عن سعادته حيث كانت وكيفما يريد، وهو حر الإرادة - عكس ما يقول الرواقيون - ووظيفة الفلسفة أن تعين على تحقيق سعادته في هذا العالم.
كان أبيقور ماديا فلا يرى هناك أرواحا مجردة ولا شيئا غير المادة، وكل الأشياء مكونة من ذرات - كما هو مذهب ديمقريطس - وهذه الذرات عند أبيقور تختلف في شكلها ووزنها لا في كيفيتها، والنفس ذاتها ليست إلا ذرات تتفرق عند الموت، ويقول إنه لا يصح أن نفكر في آخرة، وهذا يجعلنا سعداء، ويحررنا من الخوف منها، وليس الموت شرا؛ لأننا إذا متنا فلا نكون، وإذا كنا فلا موت، وقد أخذ المتنبي هذا المعنى فقال:
والأسى قبل فرقة الروح عجز
والأسى لا يكون بعد الفراق
فإذا جاء الموت فلا شعور؛ لأن الموت نهاية الشعور، ومن الحكمة ألا نخاف مما نعلم أنه عندما يجيء لا نشعر، كذلك ذهب أبيقور إلى أنه لا معنى للخوف من الآلهة، وهو لم ينكر وجودها، بل قد اعترف بآلهة لا تعد ولكنه قال إن لها أشكال الإنسان لأن شكله أجمل شكل في الوجود، وهم يأكلون ويشربون ويتكلمون اللغة اليونانية، وجسمهم يتكون من عنصر كالضوء، وهم يعيشون عيشة سعيدة هادئة أبدية، وهم لا يتدخلون في شئون هذا العالم لأنهم في سعادة، فلم يزجون بأنفسهم في ضوضاء هذا العالم يحملون عبء حكمه؟
إذن فلا خوف من الموت ولا خوف من الآلهة ، ولا شيء على الإنسان إلا أن يبحث كيف يعيش سعيدا في أيامه التي يعيشها على ظهر الأرض، والبحث في هذا وظيفة علم الأخلاق. (1-3) الأخلاق
كما أن الذرة كانت أساسا للطبيعة عند أبيقور، كذلك كان الفرد أساسا للأخلاق، فقد ذهب الأبيقوريون - كما ذهب قبلهم القورينائيون - إلى أن أساس الأخلاق اللذة، فاللذة وحدها غاية الإنسان، وهي وحدها الخير، والألم وحده هو الشر الذي يفر منه الإنسان ويتجنبه، والفضيلة ليست لها قيمة ذاتية، إنما قيمتها فيما تشتمل عليه من اللذة.
هذا هو أساس نظرية الأخلاق في رأي أبيقور، وما قاله بعد ذلك إنما هو شرح للذة، ولم يعن أبيقور باللذة ما عناه القورينائيون من اللذة الوقتية، بل عنى باللذة اللذة بأوسع معانيها، فيصح أن نرفض لذة عاجلة لأنها تستتبع ألما أكبر منها، ويصح أن نتحمل ألما عاجلا لأنه يستتبع لذة أكبر منه.
كذلك لم يقصر أبيقور نظره على اللذة الجسمية، بل قال إن اللذة العقلية أكبر قيمة من اللذة الجسمية؛ لأن الجسم لا يحس إلا باللذة الحاضرة، أما العقل فيستطيع أن يتلذذ بذكر لذة ماضية، وبأمل في لذة مستقبله، وقال: إن خير لذة يتطلبها الإنسان هدوء البال وطمأنينة النفس، ووافق الرواقيين في قولهم إن السعادة تعتمد على نفس الإنسان أكثر مما تعتمد على الظروف الخارجية، وذهب إلى أن من أهم اللذائذ العقلية لذة الصداقة؛ لأن مدرستهم لم تكن مجرد تلاميذ في مدرسة بل كانوا - فوق ذلك - أصدقاء.
Bog aan la aqoon