Sheekada Falsafada Giriigga
قصة الفلسفة اليونانية
Noocyada
يختلف أرسطو عن أفلاطون في الأخلاق في أن تعاليم أفلاطون تجاوزت ما في قدرة الإنسان وتوغلت في الروحانيات والمثل العليا، على حين أن أرسطو لمس الحقائق وبنى عليها تعاليمه الأخلاقية العملية، بحث أرسطو في «ما هو الخير» كما بحث أفلاطون، ولكن أفلاطون كان يحتقر عالم الحس وما فيه، فكان في إجابته ينظر إلى عالم فوق عالم الحس، أما أرسطو وهو المحب للحقيقة والواقع، فقد أجاب بما في استطاعة جمهور الناس أن يصل إليه.
أول ما يعرض للباحث في الأخلاق البحث عن غاية الغايات، فالناس يعملون لغاية، وقد تكون هذه الغاية وسيلة لغاية أخرى وهكذا، ولكن يجب أن تكون في النهاية غاية أخيرة ليست وسيلة لشيء هي التي تسمى غاية الغايات - يقول إن هذه الغاية الأخيرة محل اتفاق بين الناس وهي السعادة، فكل ما يبحث الناس عنه وكل باعث لهم على العمل وما يتطلبونه لذاته لا لشيء آخر وراءه، هو السعادة - ولكن الناس جميعا على اختلاف طبقاتهم يختلفون في مفهوم السعادة، سواء منهم الفلاسفة والعامة، فبينا يرى بعضهم السعادة في حياة اللذة، إذا بآخرين يرون السعادة في الهرب من اللذة، وكل يرسم للسعادة في الحياة صورة تخالف ما يرسمه الآخر، ولكن لم يحدثنا أرسطو عن طبيعة السعادة ولم يشرحها شرحا وافيا يبين الغرض منها.
غير أنه قال - بناء على تعاليمه السابقة - إذا رأينا أن كل شيء في الوجود له وظيفة وله غاية يسعى بطبيعته للسير إليها فالخير للإنسان ليس في لذة حواسه فقط؛ لأن الإحساس وحده وظيفة الحيوان لا الإنسان - أما وظيفة الإنسان التي امتاز بها فالعقل، فعمل العقل هو الخير بالنسبة للإنسان، والأخلاقية إنما هي في الحياة العقلية، وسيتضح ذلك مما يلي:
ليس الإنسان حيوانا ذا عقلية فقط، بل لما كان الجنس الراقي فيه ما في السافل وزيادة، ففيه الملكات التي في النبات والحيوان فهو يتغذى كالنبات ويحس كالحيوان، والتغذي والحس طبيعة فيه، فيجب أن تكون الفضيلة نوعين: نوعا راقيا يوجد في حياة العقل والتفكير والفلسفة، ونوعا آخر وهو ما يتعلق بالتغذي والحس، والفضيلة في هذا النوع الأخير أن تخضع الشهوات ورغبات الحس لحكم العقل، وإنما كان النوع الأول أرقى لسببين: الأول أنه فضيلة العقل، وبالعقل صار الإنسان إنسانا، والثاني: أنه فضيلة فيها تشبه بالله، إذ حياة الله هي حياة الفكر الخالص.
والسعادة تتكون من النوعين معا، ولم ينكر أرسطو ما للظروف الخارجية من تأثير كبير في السعادة، فالفقر والمرض وسوء الحظ تعوق الإنسان عن أن يصل إلى السعادة، وأضدادها وسائل للسعادة لا السعادة نفسها، فالغنى والصداقة والصحة ليست السعادة ولكنها وسائل لها، وأعني بذلك أنه بهذه الأمور تكون السعادة قريبة المتناول، وبدونها يصعب الوصول إليها، وهذه الأشياء قيمتها في ذلك فقط.
لم يتكلم أرسطو طويلا وبالتفصيل عن النوع الراقي من الفضيلة وفي قوله عن النوع الثاني خطأ سقراط في فهمه أن الفضيلة في المعرفة، وأن المعرفة كافية وحدها في السير في طريق الحق، وأن الإنسان إذا فكر تفكيرا مستقيما عمل عملا مستقيما، وقال إن سقراط نسي عامل الشهوة في الإنسان، فقد يفكر جيدا ويرشده فكره إلى الصواب، ولكن تتغلب عليه شهوته فتغويه، ويقول أرسطو إن وسيلة غلبة العقل المران، فبالمران على ضبط النفس وتحكيم العقل والتزام أوامره يمكن ترويض الشهوة وتذليلها، فكلما طال وضع الشهوة تحت نير العقل اعتادت ذلك؛ ولهذا علق أهمية كبرى على العادة، وقال إن تعويد الإنسان العادات الطيبة هو السبيل الوحيد لتكوين الإنسان الطيب.
وإذا كانت الفضيلة في حكم العقل للشهوة كان لا بد في الفضيلة من العنصرين معا، فيجب أن تكون شهوة وأن يكون عقل يحكمها، فالزهاد الذين يريدون أن يستأصلوا الشهوة من أساسها مخطئون؛ إذ ينسون أن الشهوة عنصر في الإنسان واستئصالها هدم لعنصر من مكوناته، وبتعبير أرسطو إن الشهوة مادة الفضيلة والعقل صورتها، فبهدم الشهوة انهدمت المادة، ولا تقوم الصورة بلا مادة، فهناك نوعان من الغلو فاسدان: محاربة الشهوة حتى تموت، وإطاعتها حتى تغلب العقل، والفضيلة في الوسط، وهو الاعتدال، ونشأ من هذا نظريته المعروفة بنظرية الأوساط أي إن كل فضيلة وسط بين رذيلتين.
ولكن كيف أعرف هذا الوسط؟ ما المقياس؟ من الذي يحكم؟ إن الإجابة على هذه الأسئلة عسيرة، فليست المسألة مسألة خط مرسوم أقيسه لمعرفة وسطه، وليست هناك قاعدة واضحة أستطيع بها أن أعرف ذلك، والحكم فيها يتوقف على الظروف المحيطة بالشخص وعلى الشخص نفسه، فما هو نقطة الوسط في حالة ليس كذلك في حالة أخرى، وما هو اعتدال لإنسان إسراف لجاره وهكذا، فيجب أن يترك الأمر لتقدير الشخص بعد أن يمرن على صحة النظر لمعرفة الوسط.
ولم يعبأ أرسطو كثيرا بحصر الفضائل وتعدادها كما فعل أفلاطون، بل رأى أن الحياة أكثر تركبا من أن ينحى فيها هذا المنحى، والفضيلة تختلف باختلاف ظروف الحياة، فهناك فضائل بقدر ما يحيط بالإنسان من ظروف، وقائمة الفضائل التي ذكرها أرسطو ليست - كما قال - حصرا للفضائل، وإنما ذكرها للتمثيل، وقد مثل لرأيه في نظرية الأوساط بالشجاعة فقال: إنها وسط بين الجبن والتهور، والكرم وسط بين البخل والإسراف ... إلخ.
ولم يطبق هذه النظرية على العدل، فلم يبين أية رذيلتين هو وسط بينهما؛ لأنها في نظره على ما يظهر فضيلة الدولة أكثر منها فضيلة الفرد، حتى يظن بعضهم أن الكتابة عليها في كتاب الأخلاق لأرسطو جاء من خطأ الوضع. ويقول إن العدل نوعان: عدل موزع، وعدل مصحح، فالعدل الموزع يظهر في إعطاء المكافآت والمنح حسب مؤهلات الأفراد، والعدل المصحح يظهر في العقوبة؛ فإنه إذا أخذ إنسان فائدة أو منفعة أو لذة لا يستحقها حصل اختلال في الوجود ، ويجب أن يصحح بأن يوقع عليه ألم أو ضرر يتعادل مع ما حصل مما ليس له حق فيه.
Bog aan la aqoon