Sheekada Falsafada Giriigga
قصة الفلسفة اليونانية
Noocyada
ألف أرسطو كتبه بعد نضوجه في السنين الثلاث العشرة من آخر حياته، فلم يكن فيها تدرج في الرقي واختلاف في الآراء أحيانا كما نرى في كتب أفلاطون، بل كان فكره ناضجا، ونظرياته تامة، قد فرغ من بحثها، ويغلب على الظن أنه بدأ كتابته بالمنطق، ثم بالعلوم الطبيعية، ثم بالأخلاق والسياسة، ثم بما بعد الطبيعة.
لم يكن أرسطو فيلسوفا فحسب بالمعنى الذي نفهمه الآن، بل كان واسع المعرفة بفروع العلم المختلفة، حتى لا يكاد يكون هناك فرع لم يسترع انتباهه، ولم يكن فيه أعلم أهل عصره، وربما استثنينا من ذلك «الرياضيات»، وأحاط علما بما وصل إليه من قبله ونبذ ما رآه منها باطلا، وزاد على ما صح عنده منها نظريات جديدة وآراء مبتكرة، وما كان من الحقائق التي وصل إليها لا علم له اخترع له علما كما فعل في علم المنطق وعلم الحيوان، فألف في المنطق وما وراء الطبيعة والأخلاق والسياسة والفن والبلاغة والفلك
1
والظواهر الجوية، وألف في موضوعات عديدة في حياة الحيوان، وكان شغوفا بهذا العلم حتى عدوا ما كان يعرفه من أنواع الحيوان نحوا من خمسمائة نوع، ومع أنه لم يرتبها الترتيب العصري فقد كان له فضل السبق في تأسيس هذا العلم، فكان أرسطو بهذا محيطا بفروع العلم المختلفة، مبتكرا فيها، مما يستحيل على أي نابغة في عصرنا أن يصل إلى ذلك، ونحن نستعرض الآن أهم آرائه في الفروع المختلفة.
أراد أرسطو أن يصلح الخطأ الذي وقع فيه أستاذه ليبدأ سيره في طريق مستقيمة مستوية، فتوجه بنظره نحو الطبيعة وما فيها، غير معترف بما اتهمت به هذه الأشياء المحسة من أنها لا تمد الإنسان بالعلم الصحيح، فلقد هجرها أفلاطون وطرحها وراء ظهره، وارتفع في تأمله إلى عالم المثل المجرد، فاعتزم أرسطو أن يهبط إلى الطبيعة مرة ثانية، على ألا يكون بحثه حسيا محضا، بل حاول أن تكون فلسفته طبيعية عقلية في آن واحد، تبدأ بدراسة أتفه الأشياء التي تقع تحت الحواس، ثم تمضي صعدا حتى تصل إلى مرتبة التعليل والشرح لكل ظواهر الوجود المتغيرة، متنقلا في بحثه من المحسوسات الكثيرة التي يغص بها الكون إلى الواحد الأبدي الخالد، وقد انتقد ما ذهب إليه أفلاطون من شرح ظواهر الكون بالمثل، وقال إنه بذلك أضاف إلى العالم عاملا آخر يوازيه كثرة ويوازيه مقدارا، وكلاهما يعوزه التعليل، ويكفي هدما للمثل أنها لا تعلل الحركة، وإن بقي تعليل الحركة مغلقا فمحال أن نفسر من الطبيعة شيئا، وإذن فلم يكن بد من محاولة أخرى لتعليل الوجود غير تلك التثنية التي فرضها أفلاطون في فلسفته، فزعم أن للكون عنصرين: مادة ومثلا، وينبغي أن يكون هذا التعليل الجديد الذي ننشده عاملا على ربط ذينك العنصرين، ليوحد بين الطبيعة وروحها، وإن شئت فقل بين الأشياء وأسبابها، وقد انتهت هذه المحاولة بأرسطو إلى ابتكار علم جديد لم يكن له وجود من قبل، فهو من خلقه وإنشائه، ذلك هو المنطق.
أرسطو.
فالمنطق - أي قوانين الفكر - سبيل مأمونة تؤدي بنا إلى الحقيقة المنشودة، بانتقال الفكر من المقدمات إلى النتائج الصحيحة، أي من الأشياء والحوادث إلى ما تتضمنه هذه من معنى، يقول أرسطو إن الإنسان مفطور بطبعه على طلب المعرفة واستطلاع العلم، والإدراك الحسي هو أول خطوة يخطوها في هذا الاتجاه؛ إذ تتعلق حواسه بالأشياء الجزئية الخارجية التي لا ينقطع سبيلها، فإذا ما تجمعت في الذهن أكداس من تلك الإدراكات الحسية، واستعان بذاكرته على الاحتفاظ بها وثب إلى المرحلة الفكرية الثانية وهي التجربة التي تقوم على مقارنة الأشياء بعضها ببعض وتعليلها، ولكن التجربة لا تزال علما ناقصا؛ لأنها كالإدراك الحسي، تدور حول الحقائق المحسة الواقعة، أما المرتبة الأخيرة العليا فهي التأمل النظري في هذه العلل التي حصلها الذهن لكي يكشف الإنسان عن منبعها وأصلها، وتلك هي المعرفة الكاملة، الفلسفة.
هذا الانتقال من الأشياء الجزئية إلى عللها، ثم إلى علة هذه العلل جميعا، هو الطريق الطبيعي الذي يسلكه العقل في التفكير، هو المنطق. (2-1) في المنطق
كل ما هو موجود في كتب المنطق العربية تقريبا هو منطق أرسطو، فلا حاجة بنا إلى أن نشرحه من جديد، والغربيون في العصور الحديثة قسموا المنطق إلى قسمين، ولنسمهما (استنتاجا من ابن خلدون) منطق الصورة (
diductive )، ومنطق المادة (
Bog aan la aqoon