وفي هذا الحين قبض عليه راميرو ولم ينج من سجنه إلا بعد أن تبين لراميرو أن القشتاليين لا يقبلون سواه حاكما، وأنهم يؤثرون الخضوع لتمثال زعيمهم على أن يدينوا بالطاعة إلى ملك ليون؛ لذلك أطلقه بعد أن أخذ عليه المواثيق أن يبقى خاضعا لمملكة ليون، وأن يزوج ابنته من أردون أحد أبناء راميرو، وقد فترت همة فرناندو بعد هذا الإذلال عن أن يقابل العرب في صفوف ليون، وعزم على أن يترك الليونيين لينالوا نصيبهم من الإذلال والمهانة، غير أن ذلك لم يكن في عهد راميرو الذي فاز بانتصار على العرب في سنة 950م/339ه بالقرب من طلبيرة، ومات في السنة التي تليها شامخ العز وافر المجد.
وبعد موته اتخذ غونزاليز لنفسه صناعة «عمل الملوك» فأخذ على عاتقه حماية سانشو (شانجة)
9
من أخيه أردون الثالث، وحينما خلف سانشو أخاه في سنة 957م/346ه انقلب عليه غونزاليز وطرده من ليون، ووضع على العرش مكانه أردون الرابع، وكان كسيحا ينبزه الناس بالأثيم، فالتجأ سانشو إلى جدته «طوطة» ملكة نافار ، ولم يلبثا إلا قليلا حتى استنجدا بخليفة قرطبة ليأخذ بناصرهما في هذه الشدة
10
وكان سانشو عظيم الضخامة والسمنة، لا يكاد يستطيع المشي خطوات إلا مستندا إلى شخصين، فعزم على أن يستشير الأطباء البارزين بقرطبة الذين طارت شهرتهم في جميع الأقطار، وبعثت الملكة «طوطة» برسل إلى عبد الرحمن في هذا الشأن، فعزم على أن يرسل إليه بحسداي وهو طبيب يهودي بارع،
11
ولكنه اشترط لذلك شروطا، منها: تسليم عدد من القلاع، وحضور سانشو والملكة طوطة إلى قرطبة.
وقد صعب على الملكة أول الأمر أن تسافر إلى حاضرة المسلمين؛ لأن وجودها سيكون مظهرا من مظاهر قوة الخليفة وعظم سلطانه، ولكنها بعد كل هذا سافرت مع ابنها ملك نافار وحفيدها المنفي ملك ليون، فاستقبلهم عبد الرحمن باحتفال عظيم لما طبع عليه من الكرم والأدب الجم، ولم يتخلص سانشو سريعا من سمنه فحسب، بل عاد إلى الشمال مؤيدا بجيوش من الخليفة استرد بها في النهاية عرش ليون سنة 940م/349ه.
وفي السنة التالية مات الخليفة العظيم عن سبعين عاما بعد أن حكم نحو خمسين سنة أتم بها من وجوه الإصلاح وجلائل الأعمال في الدولة ما يعجز الخيال عن تصوره، فإنه حين تولى الملك شابا في الحادية والعشرين كانت المملكة فريسة لزعماء العصابات والمفسدين في الأرض، فاستقلت الولايات واختارت حكامها، وتحدت الأحزاب سلطة الأمراء وفرقت الدولة فرقا، وعاثت الفوضى وعم النهب البلاد.
Bog aan la aqoon