186

Sheekada Suugaanta Adduunka (Qeybta Koowaad)

قصة الأدب في العالم (الجزء الأول)

Noocyada

يبدأ من الفصل السادس والعشرين من الكتاب الخامس ويستمر إلى آخر الكتاب الثامن ، وبه مقدمة أخرى، ثم حوادث الحرب من معاهدة نكياس حتى آخر سنة 411ق.م. وهناك أدلة كثيرة ترجح أن الجزء الأول كان قد نشر منفردا.

وخطة ثيوسيديد في تأليف كتابه هي متابعة الزمن، فهو يقسم كل عام إلى صيف وشتاء، ويتتبع الحوادث تتبعا تاريخيا حتى ليشبه كتابه اليوميات. وهو في هذا يغاير المؤرخين المحدثين الذين يقسمون كتبهم إلى موضوعات فيعالجون كل موضوع في فصل خاص. ومن مجموع تلك الفصول نخرج بفكرة جامعة عن العصر الذي يتحدثون عنه من نواحيه المختلفة: السياسية والحربية والاجتماعية والثقافية. وإنما أملى على ثيوسيديد خطته طبيعة الموضوع الذي كتب فيه، فهو يريد أن يقص أنباء حرب البلبونيزيا كما قص هيرودوت من قبل أخبار الحروب الميدية.

وليس معنى هذا أن ثيوسيديد لم يحدثنا إلا عن المعارك التي حدثت، فكتابه أعمق وأهم بكثير مما يدل عليه عنوانه، وما تدل عليه خطته، ولعل مصدر غناه يأتيه من أنه ليس قصصا فحسب بل قصص وخطب. في الكتاب ما يقرب من أربعين خطبة طويلة تعد من أثمن ما خلفت العبقرية اليونانية، وهذه الخطب ينسبها المؤلف إلى القادة والزعماء، وهو يخبرنا أنها لم تقل بحرفها، وذلك لأنه قد حاول أن يوردها نقلا عمن سمعها. ومن الواضح أنه ليس من السهل أن نروي خطب الغير نقلا عن سامعيها، ولهذا لم يكن بد للمؤلف من أن يستعين بما روي له منها مجرد استعانة في كتابة تلك الخطب التي هي في الواقع من أسلوبه الخاص، ولكنها مع ذلك لا تفقد شيئا من قيمتها، بل لعلها قد اكتسبت من القيمة التاريخية والإنسانية أكثر مما كان لها، وذلك لعظم ذكاء المؤلف الذي عرف كيف يلخص المواقف ويكشف عن الدوافع ويناقش الأهواء ويستعرض النظر في تلك الخطب الرائعة.

ولثيوسيديد ملكة قوية في إدراك فهم الأشياء، فبالرغم من أنه قد كتب حوادث عاصرها فغمرته من جميع النواحي إلا أنه قد استطاع أن ينظر إليها وكأن بينه وبينها أعواما بل قرونا، فميز الأهم من المهم، ووضع كل حادثة في مكانها وأعطاها أهميتها بلا إفراط ولا تقصير، وتلك ملكة لم يوهبها إلا القليل.

وثيوسيديد مؤرخ ثبت دقيق يعرف كيف ينقد مصادره، وهو يرفض التسليم بخوارق الأمور فلا يقبل من الخرافات ما قبل هيرودوت، وهو لا يقف عند الحوادث ليعلق على ما توحي به من فلسفة أخلاقية رخيصة عن تفاهة الحياة أو بؤسها ونعيمها كما يفعل هيرودوت. ثيوسيديد مؤرخ جاف غزير التفكير مركز الأسلوب، وهو أحرص على فهم النفوس منه على دروس الأخلاق المبتذلة.

وباستطاعة القارئ أن يعود إلى قراءة خطبة بركليس في تأبين جند أثينا الذين قتلوا في السنة الأولى من الحرب ليرى الكثير من المواهب التي تميز بها مؤرخنا، فالخطبة لا شك من تحرير المؤلف نفسه، وإن يكن من الراجح أن يكون بركليس قد قال من المعاني ما يقرب مما ورد فيها.

يبدأ الخطيب بالحديث عن نظم أثينا الديمقراطية، تلك النظم التي عنها صدر مجد المدينة وبفضلها أحب المواطنون مدينتهم فقاتلوا في سبيلها حتى قتل منهم من قتل، وأخيرا يصل إلى التأبين، وهنا يظهر ذكاء الخطيب أو على الأصح ذكاء المؤرخ، فهو يدرك «أنه من الشاق أن يدعو الآباء إلى التعزي بالمجد عن فقد أبنائهم وأمامهم فرح الغير بسلامة أبنائهم يذكرهم بما كانوا فيه من فرح هم أيضا بأبنائهم.» والمتكلم يعلم «أننا لا نألم للحرمان من شيء لم نألفه قدر ما نألم لفقد ما اعتدنا المتعة به.» ولهذا يدعوهم «إلى الشجاعة والتزود بالأمل في أن يكون - لمن يستطيع منهم - خلف جديد يعوض من فقد. وأما من لم تعد السن تسمح له بخلف جديد فعليه أن يذكر أن معظم حياته قد تقضى سعيدا، وأن ما بقي هو الأقل، وأنه سوف يجد في ذكرى أبنائه المجيدة ما يخفف من آلامه.» هذا حديثه إلى الآباء وفيه تحس ما أشرنا إليه من فهم عميق للنفس البشرية، فهو لا يتجاهل حقائق تلك النفس وإنما يسلم بها ثم يلتمس لها علاجا، وإنه لمن الحمق ألا نسلم للمتألم بأسباب ألمه ظانين في ذلك ما يصرفه عنه، وإنما السبيل هو أن تجاري إحساسه وأن تسلم له بمشروعية ذلك الإحساس، ثم تحاول بعد ذلك أن تخفف عنه حمله. وفي حديثه لإخوة وأبناء الموتى حقائق نفسية أخرى يعترف بها الخطيب في قوة خلقية وإنسانية نقف أمامها حيارى. انظر إليه يخاطبهم: «وأما أنتم، أبناء هؤلاء الأبطال وإخوتهم! فأمامكم صراع عنيف، وإنه لحبيب إلى كل نفس أن تمتدح ما مضى، ولهذا أرجو لكم أن تصلوا إلى ما وصل إليه هؤلاء الأبطال أو على الأصح إلى ما يدانيهم، وذلك لأن الحسد ينال دائما من فضل الأحياء، حتى إذا ذهب الموت بما يلقون على معاصريهم من ظلال تغمرهم بظلمتها نزل فضلهم من كل القلوب منزلة التقديس.» أليس في هذه الصراحة النفسية ما يرفع من قدر قائلها وهو يعترف بأن الحسد شيء طبيعي في النفوس، وأنه من الخير أن يوطد كل فرد نفسه على قبوله من الغير مدركا أنه ليس من السهل على النفوس أن تقبل «الظلمة»، التي يلقيها عليها «ظل الغير»، وأنه ليس للأحياء أن يروا الناس مجمعين على فضلهم، فهذا لن يكون إلا بعد موتهم! وتلك حقيقة فيها أكبر العزاء لبطولة الأحياء، كما فيها أكبر دافع إلى الإقدام وطرح ما يمكن أن يصيب النفوس الخيرة من يأس يوحيه ما يهولها من عدم الاعتراف بما لها من فضل.

وأما النساء فكل ما يطلبه إليهن هو «أن يلتمسن المجد في ألا يظهرن من ضعف غير ما تقضى به فطرتهن، وأن يتنافسن في أن يكون تأثيرهن في الرجال أقل ما يكون سواء أكان هذا التأثير في الخير أم الشر.»

هذا هو الذكاء الخارق الذي تحدثنا عنه. الذكاء الذي يدرك حقائق النفوس ويسلم بتلك الحقائق، وعلى هذا الأساس يصوغ أقواله ويضع خططه.

ومقدرة ثيوسيديد الفذة لا تظهر في الخطب فحسب بل وفي القصص والوصف، وباستطاعة القارئ أن يعود إلى حديث

Bog aan la aqoon